الرياض - السعودية "اليوم يعود الطيار المقاتل -مقرن بن عبدالعزيز- ليأخذ مقعده في دفة القيادة ويحلق عالياً في سماء المملكة كواحد من قادتها في وقت تزداد فيه الرياح والعواصف هبوباً وتزداد ظلمة الجو حلكة من حولنا، يعود وقد ازداد قوة وحنكة ودراية" لكل عصر قادته وعلماؤه وفرسانه، وفارس هذا العصر هو الطيار المقاتل وفرسه هي الطائرة، ومهنة الطيار المقاتل من أصعب المهن حيث يمر طالب الطيران بالكثير من الاختبارات البدنية والعقلية والنفسية، واختبار القدرات للتأكد من وجود التوافق الفكري العضلي وسرعة الاستجابه، ذلك أنه سيتعرض لمواقف صعبة في الجو عليه أن يتحملها وحده، وبعد قبول الطلبة ودخول الكلية لا يجتاز اختبارات الطيران والتخرج طياراً سوى حوالي 50% من عدد الطلبة المقبولين، ذلك أن القدرات تختلف من شخص لآخر، وأخيراً يتم اختيار الطيار المقاتل من بين أفضلهم قدرة وتحصيلاً. تذكرت هذا الموضوع يوم تعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد في أمر ملكي تاريخي مهم، يؤكد حرص خادم الحرمين وسمو ولي العهد وهيئة البيعة على استقرار المملكة واختيار الأفضل لهذا المنصب المهم. والأمير مقرن طيار مقاتل منضبط سبق وطرنا معاً فوق مياه الخليج العربي وشواطئ العزيزية وفوق نخيل الأحساء ورمال الربع الخالي على طائرات مقاتلة بمعنويات عالية يحدوها الأمل ودماء الشباب وحب الوطن. وقد أسهم سموه مع نخبة من قادة القوات الجوية في وضع الأسس والأنظمة للقوات الجوية الحديثة، حيث كان أحد المخططين والمتابعين لمشروع صقر السلام الذي أبرم مع الشركة الصانعة لطائرات ف5 ومع الولاياتالمتحدةالأمريكية لتحديث القوات الجوية وشراء الطائرات، ذلك المشروع الذي لم يكن مشروع شراء طائرات فقط، بل كان برنامجاً متكاملاً للتدريب والابتعاث وتوطين وظائف الصيانة وبناء مساكن وصالات رياضية تفخر بها القوات المسلحة. اليوم يعود الطيار المقاتل ليأخذ مقعده في دفة القيادة ويحلق عالياً في سماء المملكة كواحد من قادتها في وقت تزداد فيه الرياح والعواصف هبوباً وتزداد ظلمة الجو حلكة من حولنا، يعود وقد ازداد قوة وحنكة ودراية، ومن حق القائد علينا أن نخلص له المشورة ونصدقه القول، ومن حقنا عليه أن يهتم بشؤوننا وأن يكون صوت من لا صوت له، وسيتولى بخبرته وتجاربه وما عرف عنه من جد ونشاط ملفات مهمة، وأهمها في نظري ملفان لو تم حلّهما لذللت الكثير من العقبات وهما: أولاً. ملف البطالة شائك وله علاقة بأكثر من وزارة وهيئة، كان يتولاه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله حين كان رئيس مجلس القوى العاملة قبل استحداث وزارة العمل، ورغم جهود وزارة العمل إلا أن النتائج لا تزال دون المستوى الذي يحل المشكلة، ذلك أن البطالة لها أسباب كثيرة وحلولها تكمن في متابعة ومحاسبة الجميع، وخصوصاً وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة الصناعة والتجارة، ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ومؤسسة التدريب الفني، والقطاع الخاص، وبمعنى أصح لن تستطيع وزارة واحدة أن تتولاها، وأخطر أنواع البطالة بطالة المتعلمين وخصوصاً بين النساء حيث يشكلن أكثر من خمسين في المئة من خريجي الجامعات وتصل نسبة البطالة بينهن إلى ستين في المئة. ملف البطالة بحاجة إلى أن يتولاه من لديه الصلاحيات والقدرة على المحاسبة، ويتمتع بروح لا تعرف اليأس أو الاستسلام، المسائل الكبرى لا تحل إلا بتكاتف الأيادي وأول تلك الأيادي يد سموكم، إنها مهمة صعبة لكنها مهمة تمس حياة كل مواطن. ثانياً. الملف الثاني الذي أولاه خادم الحرمين جلّ اهتمامه هو ملف الفساد وقد استحدث لذلك هيئة ترتبط به مباشرة وتمت الموافقة الملكية على استراتيجية تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وهي من أفضل الاستراتيجيات في شمولها لكل نواحي الفساد وطرق علاجه، لكنها بحاجة إلى جهود سموكم وحرصكم ليعلم الجميع أن الفساد هو أكبر عدو داخلي يتربص بأمن الوطن ومعيشة أبنائه ورقي خدماته وجودة مشاريعه وحفظ المال العام. إن من أهم أسباب تذمر المواطن وتدني ما يقدم له من خدمات هو الفساد بنوعيه المالي والإداري ولن يتعامل مع هذا الملف الشائك إلا مسؤول بحجم وكفاءة سموكم، أعانكم الله. على المواطن واجبات كثيرة وله حقوق أهمها الوظيفة والسكن الآمن، والتعليم الجيد والعلاج المناسب، والمملكة في عهد خادم الحرمين خطت خطوات كثيرة وموفقة في سبيل تأمين العيش الكريم للمواطنين، ومن يقارن مدن وقرى المملكة قبل سنوات وما هي عليه الآن يجد الفرق الكبير بين الأمس واليوم، إلا أن الفساد يقف عائقاً أمام جودة الإنجاز مع ضخامة المبالغ المنصرفة، إن من يقارن بين جودة المشاريع بين الأمس واليوم يجد أنها كانت أفضل قبل ثلاثين عاماً مما هي عليه اليوم والسبب هو كثرة المشاريع مع قلة الإشراف من بيوت الخبرة وتقديم المصالح الخاصة على العامة مما أفقدها الجودة وضياع الأولويات. إن من يستمع لكلمات خادم الحرمين التي وجهها لسموكم يعلم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقكم وعاتق كل مسؤول حين كرر يحفظه الله: الوطن والمواطن فلا مواطن بلا وطن، ولا دولة بلا مواطن. المملكة على أعتاب حقبة جديدة من الأمن والرخاء والقوة والاستقرار بشرط أن نؤمن العيش الكريم لكل مواطن بدءاً بالتعليم المتميز ثم الوظيفة المناسبة والسكن وانتهاء بالعلاج. نهنئكم ونعلم أنكم تتحلون بصفات يمتاز بها الطيار المقاتل ومنها التخطيط الجيد لكل مهمة، واتخاذ القرار السليم بعد دراسة الحالة، والروح القتالية التي لا تعرف اليأس، وقبول التحدي الذي تفرضه كل حالة، والتعامل مع الطوارئ بالسرعة التي تقتضيها كل حالة، نبارك للرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب.