تحفل الثقافة العربية بتمجيد الشورى وإنكار التفرد بالرأي، ونجد الحث على طلب الاستشارة يتردد في صورة كثيرة، سواء في النصوص الدينية أو في النصوص الأدبية مثل الشعر والحكم والوصايا والأمثلة فصيحها وعاميها، وهي كلها تزخر بنماذج متنوعة تمجد الاستشارة وتؤكد نفعها، والناس أنفسهم يعترفون أن الشورى أفضل كثيرا من التفرد بالرأي ويكادون يتفقون على ذلك، إلا أنهم رغم كل هذا، لا يلجأون إلى الاستشارة ويبادرون إليها إلا متى حاروا في أمرهم، حين تبدو لهم الخيارات متشابهة لا يستطيعون التفضيل بينها، وتظهر الآراء متماثلة لا يقدرون على تقديم رأي على الآخر، فتتلبسهم الحيرة ويصيبهم التردد، وعندها يتذكرون طلب المشورة، فيلجأون إلى من يثقون في رأيه ليشر عليهم بما يرى، على أمل أن يعينهم ذلك على ترجيح رأي على الآخر، أو تفضيل خيار على غيره. أما متى كان الناس مقتنعين برأيهم، مطمئنين إلى حسن اختيارهم، فإنهم غالبا ينسون أمر الاستشارة، ويبادرون إلى الاختيار واتخاذ القرار غير مترددين، ضاربين عرض الحائط بكل ما لقن لهم من نصح وحث على طلب الرأي وأخذ المشورة، لأنهم يرون معيار الصواب والخطأ في الرأي أن يعجبهم ويرضيهم، ذلك عندهم خير دليل على صحته وملاءمته لهم، وما دام أنهم راضون بما اختاروا فلم يستشيرون؟ لكن الحقيقة هي أن ما اختاروه وأعجبهم ليس بالضرورة أن يكون جيدا وحكيما، فأحيانا يكون إعجاب الناس بالرأي لكونه يشبع رغباتهم أو يخاطب عواطفهم، وقد يكون في حقيقته لا يحقق لهم مصلحة، أو أسوأ من ذلك، قد يحمل إليهم ضررا، فما يلبي الرغبات أو يلامس العواطف، هو في معظم الحالات يعمي البصيرة فلا يتمكن الإنسان من رؤية الحق ومعرفة الصواب، ومن هنا تبدو الحاجة إلى طلب المشورة عند الرضى عن الرأي ضرورية، خشية أن يكون الرضى قد حال دون رؤية الجوانب الأخرى السيئة إن وجدت. كم هم الذين يفعلون ذلك، فيستشيرون حتى وإن أعجبهم رأيهم وأرضاهم؟ إنه لا يفعل هذا سوى العقلاء الذين يعلمون أن الرأي عرضة لأن تشوبه شوائب الهوى، أو يمتزج به جهل، أو يولده ظرف ضاغط، لذلك لا بد من الاستعانة بأكثر من بصيرة لضمان البقاء في الرأي وتجريده من كل شائبة. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة