سبق-السعودية النظم الحديثة في المجالات الاقتصادية, والسياسية, والاجتماعية كافةً, تقوم على المؤسسية, باعتبارها الضمانة الرئيسة, للاستمرار من ناحيةٍ, وللتحديث من ناحيةٍ أخرى, إذ إن غياب المؤسسية يعني الانهيار عند أول أزمة, والتفتت عند أول عقبة يمكن أن تواجهها المنظمة. والمؤسسية, تعني أن تقوم الدول والشركات والمنظمات, على اختلاف أنشطتها, على أحدث ما توصل إليه علم الإدارة, من هيكلية, تبتعد بالمنظمة عن الإدارة الفردية والشخصية, التي مهما كان لها من ملكاتٍ وإمكاناتٍ, فإنها حتماً إلى زوال, بينما, المنظمة, يُفترض فيها الدوام. والمؤسسية, في تطورها الحديث, لم تعد تعتني حقيقةً بمجرد بقاء المنظمة, بعد رحيل مؤسسها, بل امتد الاهتمام الحديث, بتفعيل هيكلها الإداري, بحيث يضمن لها أكبر فاعليةٍ ممكنة, وأكبر تأثيرٍ ممكن في محيطها, بحيث تصبح ركناً رئيساً في ذلك المحيط. والذي استدعى إلى الذهن, هذا الحديث ما كشفت عنه دراسة اقتصادية نُشرت أخيراً, تقول إن 60 في المائة من الشركات العائلية في السعودية لا تستمر إلى الجيل الثاني, وإن نحو 90 في المائة منها لا تستمر إلى الجيل الثالث, مشيرةً إلى أن الشركات العائلية، تعتبر من القطاعات سريعة النمو، ولكن متوسط عمر الشركات العائلية يبلغ نحو 24 عاماً فقط. هذه الدراسة, التي نشرتها صحيفة "الاقتصادية", بتاريخ الأحد 182 1435ه، الموافق 22 ديسمبر 2013 العدد 7377, توحي بدلالاتٍ متعدّدة, في مقدمتها، إننا ما زلنا, كمجتمع سعودي, بعيدين عن الفكر المؤسسي, في بُعده القديم, الذي يُعنى بإيجاد فارقٍ بين المؤسِّس والمدير, لضمان استمرار المنظمة, وكذلك البُعد المؤسسي الحديث الذي يُعنى بمحاولة إيجاد فاعليةٍ أكبر للمنظمة, تتعدّى مجرد الحرص على استمرارها. الدلالة الثانية, إن هناك ضعفاً في تتابع الأجيال, بدلالة تنامي معدلات فشل المؤسسات, كلما تقدّمنا من جيلٍ لآخر, فهي 60 بالمائة في الجيل الثاني, و90 بالمائة في الجيل الثالث, وهذه مشكلة خطيرة, تُوحي بضعف متتابع في الأجيال, وفي قدرتها على الحفاظ على إدارة تلك المنظمات. الدلالة الثالثة, أن هناك مشكلة تكمن في التواصل بين الأجيال, وفي نقل الخبرات التراكمية, من جيلٍ لآخر, كما يبدو أن هناك مشكلة أكبر فيما يخص الثقة التي يمكن أن يعطيها كل جيلٍ للجيل الذي يليه, التي تبرز معالمها في عدم تمكينه من الإدارة وممارسة المهام العليا, طالما كان الجيل السابق قادراً على ذلك. إن كل المعطيات الواقعية توحي بأن هناك خللاً يتمثل في وجود خط فاصل بين الأجيال أسهم في غياب الحوار والتواصل ونقل الخبرات, وهذه الكلمات مجرد محاولة لفت الانتباه إلى تلك المسألة, التي إن بقيت على حالها فسيكون الأثر الكبير والعواقب وخيمة, ليس على العائلة فقط, وإنما على بنيان الدولة كله, والتي تقودها أجيال متعاقبة! والمسؤولية وأداء الواجب الوطني يفرضان على مختلف الأجيال أن تقوم بواجباتها بدقة وتجرُّد, لمواجهة تحديات اللحظة بكل واقعية, فإذا كان المطلوب من الجيل الحالي أن يتسم بالتجرُّد, وينقل خبراته المتراكمة, للجيل الجديد, ويمكّنه من ممارسة المهام العليا, فإن هذا الجيل يجب كذلك أن يتحلى بالمسؤولية ويكون على قدر الأمانة المنوطة به!