اليوم- السعودية كنت أستمع عبر الإذاعة إلى لقاء مع إحدى الشاعرات النبطيات عندما قالت رداً على سؤال المحاور «إنها كانت على وشك بيع بعض قصائدها لكنها قررت أن تحتفظ بها لأن المبلغ المعروض كان زهيدا»!! لا يمكنني أن أجد عبارة تبعث على الاشمئزاز أكثر من هذه العبارة، وللأسف لم يعد هذا الأمر يثير لدى الكثيرين من شعراء الشعر لشعبي الجدد حتى النقاش حوله. أصبح أمرا مقبولاً أن يصرح احدهم بذلك التصريح دون خجل أو استحياء، فهاهم بعض شعرائه يصرّحون علنا وعلى رؤوس الأشهاد عن سوق نخاسة رخيصة يتم عرض أبيات الشعر فيها كما تعرض الحرائر السبايا. كلمة الشعر اشتقت من الشعور، أي الإحساس، فلا أظن أن هناك سابقة لبيع المشاعر إلا في حالة النائحة المستأجرة للعويل واللطم على ميت لا يمت لها بصلة. لطالما كانت هناك علامات استفهام في ساحة الشعر الشعبي عن سرقة هنا وبيع هناك، لكن بقية من حياء وحشمة كانت تمنع ما بات الآن يمارس بكل وقاحة ويصرح به في وسائل الإعلام. التكسب بالشعر أمر قديم قدم الشعر وذوي الجاه، لكن يجب عدم الخلط بينه وبين سوق البورصة المعلن في الساحة الشعبية الآن، حيث في التكسب يظل المادح، مهما بالغ، يضع اسمه على قصائده، بينما في حالة مزاد الشعر الشعبي الراهنة يمحى اسم البائع من استمارة الملكية ليضع اسم المشتري مكانه، في حالة اقرب إلى طبيعة معارض السيارات. هذه الممارسة المقيتة تحول الشعر الشعبي من مكانته كفن إلى حالة مادية اقرب إلى البضائع المستعملة، وقد لا تكون هذه نهاية المطاف، فالمبدأ وقد تم إقراره، لا يمنع بيع ما تم شراؤه إلى مستفيد آخر! الشعر الشعبي منتج ثقافي يحمل ملامح ثقافية، اجتماعية خاصة بالمنطقة والإقليم الذي يفرزه، فلنتصور في ظل هذا العبث أن مشتريا من شمال المملكة وضع اسمه على شعر شاعر من شرق المملكة! أي نتيجة مضللة للدارس يمكن أن يؤدي إليها هذا الأمر؟ هذه السلوكيات مع استمرارها ستغرق الساحة الشعبية بالسماسرة ليتحول الأمر إلى حالة من ماراثون لقصيري الذيل والنفس الشعري. أناشد شعراء الشعر الشعبي الذين لم يتلوثوا بعد بهذا الوباء، وأولئك القائمين على الصفحات والمنتديات الشعبية الرصينة مكافحة هذا الوباء الزاحف على نوع أصيل لتراثنا بكل الوسائل الممكنة، كما أتمنى أن يتم تجريم فعل البيع السافر والعلني بقوانين حماية الملكية الفكرية، وإن لم يكن فيها ما ينطبق على هذه الحالة فيجب سن القوانين اللازمة لذلك. السرقة ستستمر، والسوق السوداء كذلك، لكنها تصبح مع سن القوانين وصمة يخشى أمثال تلك الشاعرة التصريح بها على الملأ. هذه جناية يرتكبها ضد ثقافتنا هؤلاء بتحويلهم الشعر من قيمة ثقافية إلى سلعة رخيصة. تويتر @attasaad1