سطام عبدالعزيز المقرن - الوطن السعودية موظف القطاع الخاص يعتمد على "الإنتاج والإبداع"، وعلى هذا الأساس يتم التعامل معه، بعكس الموظف الحكومي الذي يعتمد على "الاستحواذ وقلة الإنتاج" لا أبالغ إن قلت إن الناس تنظر إلى أخلاق وسلوكيات الموظف الحكومي بشيء من الريبة والاحتقار، فهو متهم بالكسل والتسيب والغياب وعدم الإنتاجية والاستعلاء على المراجعين وعدم احترامهم، ناهيك عن استخدامه عبارات قاسية وغير لائقة وتعامله بالغلظة والخشونة معهم. فالمراجعون والمستفيدون من الخدمات الحكومية يقضون ساعات عديدة في انتظار الموظف، في بيئة عمل غير متناسقة وغير سليمة، فأماكن الانتظار دائماً مزدحمة وكئيبة، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بطول فترة الانتظار، أو ما الذي سوف يحدث لمعاملته، وهناك من المراجعين من يغادر قبل رؤيته الموظف. وهذه النظرة السلبية إلى الموظف الحكومي، نجدها أيضاً لدى بعض المسؤولين في الإدارات العليا للجهات الحكومية، فالموظف في نظرهم لديه كراهية متأصلة في نفسه للعمل، وبوده ألا يعمل على الإطلاق إذا استطاع ذلك، كما أنه يتجنب المسؤولية ويفضل أن يوجهه أحدهم، وطموحه قليل وهدفه من الوظيفة الحكومية الراتب والأمان قبل كل شيء! وعلى هذا الأساس، فإن الحلول المطروحة تتمثل في إكراه وإجبار الموظف على العمل من خلال مراقبته ومتابعته وتهديده بالعقاب لحمله على بذل جهد كاف لتحقيق أهداف الجهة وخدمة المواطنين. لذا ظهرت قرارات إدارية منطلقها للأسف النظرة السلبية إلى الموظف، بحيث يجب أن يعمل الموظف تحت سمع وبصر رؤسائه، فيتم التركيز على الحضور والانصراف في المواعيد المحددة، ويتم استخدام التقنيات الحديثة في ذلك، مثل "البصمة الإلكترونية" والتشديد على الاستئذان والخروج من العمل لأي سبب كان، ومتابعة الموظف للتأكد من وجوده على مكتبه بشكل دوري، ووجوب الرفع إلى الرئيس الإداري عن المقصرين في حينه! مع التركيز على الرقابة الفجائية والمباغتة على الموظف، ومع ذلك لا نجد إلا تأثيرا ضئيلا لمثل هذه القرارات على سلوك بعض الموظفين، وقد نجد العكس من ذلك، فربما زاد التسيب وقلة الإنتاجية بسببها. فتلك القرارات تستخدم على تحين الفرصة لتصيد الأخطاء للإيقاع بأي موظف وإيذائه، لا على أساس التوجيه ومساعدة الموظف لتجنبها وتصيد منجزاته، كما أن التعامل مع التجاوزات والأخطاء التي تسفر عنها الرقابة، تخضع كلها للعقاب لا تفريق بينها سواء كانت متعمدة أم غير متعمدة، وسواء كانت سطحية أم جوهرية، وربما أدى ذلك إلى التعسف في استخدام الصلاحيات ضد الموظفين، وبالتالي زيادة الفوضى الإدارية في محيط العمل، فتكون النتيجة الحتمية معاناة وشكوى المواطنين والمراجعين من التخبط الإداري والتسيب والتأخر في إنجاز معاملاتهم في الجهات الحكومية. للأسف أرى أن بعض الباحثين والدارسين لا يهتمون بطبيعة وسلوك الموظف الحكومي، فقد وجدتهم يدرسون الظواهر السلبية في الجهات الحكومية المعلومة لغالبية الناس لمجرد إثباتها بالدليل، كما ركزوا على النظريات الإدارية وأهملوا واقع الموظف الحكومي، ولهذا كانت الحلول المطروحة من الباحثين لا تختلف من حيث المضمون عن القرارات الإدارية السابقة التي تركز في الرقابة على الموظف وعلى الإجراءات وإهمال الرقابة على العمل والنتائج وتحقيق الأهداف. ولهذا يحب علينا قبل البحث في الظواهر السلبية في الجهات الحكومية أن نعرف ما هو الأساس الذي نبني عليه البحث، وبعبارة أخرى يجب أن نعرف ونسأل: ما هو الأساس الذي تقوم عليه شخصية وسلوك الموظف الحكومي؟ للجواب على ذلك ينبغي أن نقارن بين الموظف الحكومي، والموظف في شركات ومؤسسات القطاع الخاص، الذي تقوم شخصيته على "الإنتاج والإبداع" بعكس الموظف الحكومي الذي يعتمد على "الاستحواذ وقلة الإنتاج". تجدر الإشارة هنا إلى أن الموظف الحكومي لا يختلف كثيراً عن الموظف الذي يعمل في البنوك أو الفنادق أو شركات الاتصالات، مع أن الناس ترى في هؤلاء الموظفين أنهم أشخاص أذكياء ومبتسمون ومساعدون للغير، إن سبب الاختلاف يتمثل في بيئة العمل بشكل عام التي لها علاقة وثيقة بشخصيات الموظفين. إن الموظفين ليسوا محصلة تكوينهم العضوي والنفسي والعائلي والمدرسي فحسب، ولكنهم أيضاً محصلة وضعهم التنظيمي في الجهات التي يعملون فيها، وبهذا الصدد يقول (هربرت سايمون) "الشخص لا يبقى لأشهر أو سنوات في وضع معين في التنظيم؛ بحيث يكون عرضة لبعض تيارات الاتصال ومتجنباً للبعض الآخر دون أن يكون لذلك تأثير كبير فيما يعرفه ويؤمن ويهتم به، وعلى ما يأمله ويرغب فيه.. وما يعتزم فعله". ومن هنا نستطيع أن نفهم سبب الاختلاف بين الموظف الحكومي، والموظف في القطاع الخاص (الشركات والمؤسسات)، وبعبارة أخرى لماذا (يكشّر ويغضب) الموظف الحكومي في وجه المراجعين؟ ولماذا يبتسم موظف الشركات ويساعد الغير؟ وللتوضيح أكثر أقول: على سبيل المثال تكون الأهداف في الجهات الحكومية أهدافا عامة وغامضة ومتضاربة، فهي عبارة عن حشو وكلام إنشائي لا معنى له بعكس الشركات التجارية التي تكون لها أهداف واضحة ومحددة، وهذا ما ينعكس على الأعمال والمهام التي يقوم بها الموظفون أمام الجمهور والعملاء في خط المواجهة، بالإضافة إلى أن الجهات الحكومية تقدم "خدمات وسلعا مجانية" في سوق احتكاري إجباري، بعكس الشركات التي تحاول جذب المستهلكين من أجل اتخاذ قرار الشراء بطريقة طوعية في أسواق تنافسية. كما أن الحوافز لها طبيعة مختلفة في بيئة العمل، ففي القطاع الخاص تعطى الحوافز على أساس الإنتاجية وتحقيق أعلى نسبة من الربح، وهي غير محددة بسلم ودرجات الموظفين، بعكس الجهات الحكومية التي تتساوى وتقل فيها الحوافز وتخضع لاعتبارات موقع الوظيفة، بالإضافة إلى اعتبارات شخصية لا مجال لذكرها هنا. ونتيجة للعوامل السابقة نجد أن الموظف في الشركات تكون النظرة إليه على أنه طموح يجد المتعة في عمله، لا يقبل المسؤولية فقط بل يبحث عنها، لديه القدرة على الإبداع، وعلى هذا الأساس يتم التعامل معه، بعكس الموظف الحكومي المسكين الذي يجب تأديبه وعقابه في جميع الأحوال!