أرجع خبراء اداريون واقتصاديون تسيب موظفي الدولة وغيابهم الى تدني الأجور التي لا تتواكب مع التضخم الاقتصادي والوضع الروتيني والنمطية التقليدية المعمول بها حاليا لمعرفة الانضباط الوظيفي، حيث تطالب جهات الرقابة والمتابعة بحضور الموظف في مقر عمله طوال ساعات العمل وتواجده «بدنيا» مع إغفال تام لمعايير قياس الجودة والإتقان والأداء والإنتاجية، فالمثالية والنموذجية في مقاييسها هي الموظف» المسمار» المتواجد في مكتبه طوال ساعات العمل، معتبرين أن هذه المنهجية تقتل رغبة الموظف في تحسين أدائه، لان المعيار الحضور والغياب فقط، وليس أداءه لواجبه وإتقانه لعمله الوظيفي المكلف به. وأكدوا ل»الرياض» أن النسب التي جاءت في تقريري ديوان المراقبة وهيئة الرقابة والتحقيق اللذين اشارا الى أن 70 % من الموظفين متسيبون في العمل، في حين أن 94 % من الموظفين يتغيبون عن أعمالهم بشكل مستمر تعد مؤشرًا خطيرا تحتاج إلى دراسة، مطالبين في الوقت نفسه بتوضيح الاسباب المتعلقة بهذه النتائج. د. عبدالرحمن الصنيع في البداية أظهر أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجي في كلية الإدارة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور سالم مطر الغامدي انزعاجه من هذه النسب، مؤكدًا أنها تدل على وجود خلل كبير في القطاع الحكومي، مشيرًا إلى أن تدني الإنتاج في القطاع الحكومي مشهود على مستوى العالم أجمع مقارنة بالقطاع الخاص، لكنه يرتفع في المملكة مقارنة بالدول المتقدمة، مطالبًا الأكاديميين والمسؤولين وكل أصحاب الشأن ببحث تداعيات هذا التسيب وتسرب الموظفين إلى القطاع الخاص. وشدد الغامدي على ضرورة الاهتمام بالاستقرار الوظيفي للموظف والأجور في القطاع الحكومي لمواجهة التضخم الكبير الذي يشهده الاقتصاد العالمي حتى وصل إلى كافة المنتجات ووسائل الحياة، مؤكدًا أن هناك عددا من العوامل المؤثرة في تدني بيئة العمل في القطاع الحكومي ومنها الأسلوب الإداري وطريقة التعامل مع الموظف، حيث ان هذه الأمور تؤثر كثيرا في إنتاجية الموظف والقطاع. واشار الغامدي إلى أن النظام الصارم في التحفيز وفي العقاب يلعب الدور الاكبر في العملية الإنتاجية وأداء الموظفين، مطالبا بعدم أخذ العينات في الدراسات والتقارير الإحصائية خلال فترة وجيزة حتى لا تعطي أرقامًا ونسبًا غير حقيقية ولا تعكس الواقع، مؤكدًا على أن الدراسة يجب أن تشمل عددًا كبيرًا من القطاعات وعبر فترات زمنية كافية لتكون النتائج دقيقة. وبين الغامدي أن المواطن هو المتضرر الأول من التسيب وتأخير المعاملات والمراجعات في الدوائر الحكومية، مضيفًا أن تأخر تنفيذ المشاريع الاستثمارية من إخراج التراخيص وإنهاء الإجراءات أمر يتطلب السرعة والدقة في إتمامها. واوضح أن الاقتصاد الوطني يتكبد خسائر كبيرة جراء أخطاء يعتقد البعض أنها بسيطة، ومنها تأخير المعاملات والتراخيص، خاصةً وأن القطاع الحكومي هو قطاع محوري لكافة المعاملات والمشاريع. عبدالعزيز السويد «انسحاب رؤوس الأموال» من جهته وصف أستاذ التسويق في كلية إدارة الأعمال بجدة الدكتور عبدالرحمن الصنيع نسب التسيب الوظيفي بالفلكية قياسًا الى حجم الأداء والإنتاج لمختلف القطاعات، مؤكدًا أن المواطن الذي يعتمد دخله على وظيفته يريد إثبات وجوده فيها لأجل توفير احتياجاته واحتياجات من يعولهم. وأضاف الصنيع أن هناك خلطًا قد يحدث في تعريف التسيب وإسقاطه على الموظفين، مبينًا أن أوجه التسيب عديدة وتشكل للمملكة خسائر شهرية تتراوح بين مليار و 1.5 مليار شهريًا لاسيما فيما يتعلق بإنهاء المعاملات والإجراءات الخاصة بالمشاريع الاستثمارية والسياحية. واضاف أن العديد من المشاريع انسحب منها أصحابها جراء التأخير في إنجاز المعاملات لدى بعض القطاعات بسبب عدم وجود الموظف المختص، مشيرا الى أن اللوم لا يطال الموظف وحده، بل يمتد الى القطاع الذي لا يوفر البديل المناسب ليستمر العمل دون توقف،معتبرا القطاعات التي تتعامل مع المواطنين مباشرة الأكثر تضررًا جراء التسيب الوظيفي.وبين الدكتور الصنيع أن لكل وظيفة متطلبات وشروط لابد من توافرها في الموظف ليتم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، مشيرًا إلى ضرورة وجود لجنة مختصة بعمل استطلاعات ودراسات حول أسباب التسيب وإيجاد الحلول عبر قوانين جزائية وعقابية، وايجاد المحفزات المالية للموظفين وتطبيق النظام الرادع في حال التقصير. وأكد الدكتور الصنيع أن أحد أهم الأسباب التي تقلل من شغف الموظف بعمله؛ تدني الرواتب مقارنة بحجم التضخم الذي يشهده العالم أجمع، مطالبا بان تكون زيادة المرتبات بمبالغ مقطوعة وليس بالنسب المئوية، الأمر الذي سيكون داعمًا قويًا للطاقة الشرائية للفرد في مواجهة الغلاء المعيشي الذي أثر سلبًا على المواطنين. د. عبدالوهاب القحطاني من جهته أكد مدير عام ادارة المتابعة في امانة القصيم سابقا عبدالعزيز علي السويد أن التسيب الوظيفي ظاهرة سلوكية واضحة في الأجهزة الحكومية، بسبب الوضع الروتيني والنمطية التقليدية المعمول بها حاليا لمعرفة الانضباط الوظيفي، حيث تطالب جهات الرقابة والمتابعة بحضور الموظف في مقر عمله طوال ساعات العمل وتواجده «بدنيا» مع إغفال تام لمعايير قياس الجودة والإتقان والأداء والإنتاجية، فالمثالية والنموذجية في مقاييسها هي الموظف» المسمار» المتواجد بمكتبه، معتبراً أن هذه المنهجية تقتل رغبة الموظف في تحسين أدائه، لان المعيار الحضور والغياب فقط، وليس أداءه لواجبه وإتقانه لعمله الوظيفي المكلف به. وأضاف السويد: لو وجد الموظف المتسيب في جهة عمله بيئة عملية تساعده على عشق وظيفته وعمله لتواجد وأنتج وأبدع، لكن مقياس الابداع لدى القطاعات الحكومية البصمة الالكترونية التي تصنع الموظف الروتيني والتقليدي المتقيد والمقيد بعيدا عن الإنتاجية والتطوير والبحث عن أفضل الوسائل والآليات والأفكار الإدارية التي تنقل الموظف من الرتابة للتيسير والإتقان لخدمة المستفيدين والمراجعين. وطالب السويد بحصول الموظف على حقوقه كتكافؤ الفرص في الترقيات والمهام والانتداب والدورات الداخلية والخارجية، والتأمين الصحي، والصلاحيات، مبينا أن الموظف السعودي الأقل في الحوافز والرواتب لان سلم الرواتب في قطاعنا العام الأقل في سوق العمل الخليجي، ولم تعد الوظيفة الحكومية مصدر أمان نفسي ومعنوي ومادي أمام غول ارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة وغياب الحوافز. واشار السويد الى أن معظم موظفي القطاع الحكومي يقعون بين المرتبة السادسة والعاشرة ومتوسط رواتبهم 8 الاف ريال تقريبا وهي قليلة أمام التضخم وارتفاع الأسعار واستمرار التجمد الوظيفي لسنوات طويلة دون تعويض. واقترح السويد تحويل المتابعة والمراقبة من ثقافة التحضير اليومي إلى ثقافة رصد الانجاز وتحديد المهام وتحويل الوظيفة العامة إلى ثقافة الكفاءات، مذكرا بحملة نفذتها جهة في بريدة لمتابعة المتسيبن ومعاقبتهم حيث كشفت تسيبا كبيرا وتم فصل عدد من الموظفين ومعاقبة آخرين حتى تم ايقافها بسبب ضغوط خارجية وداخلية فعادت الاوضاع كما كانت.من جانبه شكك الأستاذ المشارك في قسم الإدارة والتسويق في كلية الإدارة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عبدالوهاب سعيد القحطاني في مصداقية النسب التي أصدرها ديوان المراقبة وهيئة الرقابة والتحقيق، مشيرا الى أن وصول التسيب والإهمال في العمل إلى هذه النسب يحتاج إلى توضيح أكثر عن آلية الدراسة وطريقة إعدادها، فهذه النسب تعطي مبررات يستند عليها من يبحث عن الموظفين غير السعوديين، خاصةً وأن الشواهد على حسن أداء الموظفين السعوديين كثيرة.وشدد القحطاني على شمولية الدراسات الإحصائية وعدم اقتصارها على جهة بعينها، مؤكدا أن في التقريرين تعميما غير مقبول وعلى ديوان المراقبة وهيئة الرقابة والتحقيق ملاحظة الجهة المتسيبة ومحاسبتها وعدم تعميم ذلك على كافة الجهات الحكومية.