وزعت إدارة مطار الملك عبد العزيز الدولي تعميماً تحظر بموجبه تصوير الحوادث أو الإشكالات التي تقع في المطار من قبل الموظفين. صدر التعميم بعد أن لاحظت الإدارة أن بعض العاملين يقومون بتصوير ما يحدث في ساحات المطار من حوادث أو وقائع. أكدت الإدارة أن التصوير هو من صلاحية الجهات الأمنية، وتوقعت أن الهدف من تصوير الموظفين لهذه الحوادث هو نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. أصدقكم أنني استغربت صدور مثل هذا القرار في هذا الزمان ومن مؤسسة حضارية مثل مطار الملك عبد العزيز يمر به ملايين المسافرين كل عام. إن تصوير ما يحدث في كل مكان بعيد عن الأمن الوطني والمنشآت السرية يفيد كل الجهات ذات العلاقة. يجعل الموظفين والإدارات يشعرون بأنهم تحت الرقابة ويرفع حس المسؤولية لديهم. كما يساعد الجهات المسؤولة عن التحقيق في التعرف على كل أبعاد القضايا التي تحدث. يذكر الجميع أن المسؤولين عن التحقيق في تفجيرات ماراثون بوسطن، طالبوا كل من لديه مقاطع أو صور لموقع الحدث وما حوله بإرسال ما لديهم، بل أنشأت موقعاً لتحميل المقاطع، ولمفاجأة الجميع فإن المتهمين في القضية تم كشفهم بفضل تلك المقاطع التي سلمها المواطنون وليس أي جهة أمنية أو كاميرات مراقبة موجودة في موقع التفجير. يعطينا هذا المثال مجموعة من القواعد التي يجب أن نتبناها لأنها أسس مهمة في التعامل مع تطورات العصر الذي نعيشه حتى لا نبقى خارج النص، أو نتعامل مع الأشياء برفض غير منطقي: لا بد أن يضع المسؤولون التطورات في خدمة عملهم، ويعتمدونها كوسيلة لتحسين الأعمال التي ينفذونها، والاستفادة منها في تحليل كل ما يحدث وتقويم أداء الأجهزة التي يديرونها. لا يمكن أن نعيش في واقع مختلف ونحاول أن نجعل هذا الواقع يسيطر على كل ما حولنا ومن حولنا، لأننا ببساطة سنغرد خارج السرب، وستحدث تطورات يصبح التعامل معها أصعب لأننا سنحتاج إلى مجهود أكبر وتنازلات أكثر. يشبه هذا الأمر تلك الجهات الحكومية التي تبنت الحاسب في تعاملاتها، لكنها استمرت في تعاملاتها الورقية واعتبرت النظام الجديد رفاهية تستخدمها في الإيجازات والتصريحات الصحافية كأرقام مجردة لتلميع الصورة. أو تلك التي تعتمد مستوى معينا للتقنية ولا تعمل على تطويرها مع الوقت وتستمر في ترقيع البرامج والأنظمة لتجد نفسها فجأة في واد والعالم كله في واد آخر، وتدفع المليارات لاستعادة الحد الأدنى من الكفاءة في الأنظمة والبرامج التي تستخدمها. إن الشفافية هي أساس الحال اليوم، رضي من رضي وغضب من غضب. فإذا لم يكن مجال العمل من المجالات التي تضر بأمن الدولة أو سرية ما تقوم به من أنشطة، فعلينا أن نتبنى الشفافية. عدم تبني وتشجيع الشفافية سيجعلنا مكشوفين أمام العالم الخارجي دون أن نكتشف ذلك إلا متأخرين. يلاحظ الجميع أن الكثير من المسؤولين يرفضون الإجابة على بعض الأسئلة عندما يواجهون بها في وسائل الإعلام، قد يكون السبب هو عدم علم المسؤول عنها أو اعتقاد المسؤول أنها لم تخرج من حدود المنشأة التي يديرها. لعل من المفيد هنا أن أذكر بأن مثل هذه التعاميم لا تؤدي إلا إلى نتائج عكسية، حيث ستدفع المزيد من الموظفين إلى فعل تلك المخالفة ولكن مع التنبه لوجود كاميرات المراقبة التي تحدث عنها التعميم. فكل ممنوع مرغوب، وحتى لو لم يكن هناك ما يدفع الموظفين للتصوير في السابق فهم سيندفعون لذلك مستقبلاً. نعود لنقطة مهمة وهي تشجيع الشفافية والحوار وهي أمور مهمة في إدارة أي منشأة. لا بد أن تناقش جميع الحوادث والوقائع بشفافية خصوصاً في مرفق يمر به أكثر من عشرة ملايين شخص في السنة. فكل هؤلاء المسافرين "تقريباً" يحملون كاميرات، ويتواصلون مع معارفهم من خلال وسائل التواصل وسيصورون المنشآت والأحداث التي يمرون بها. فلنعمل على أن يصوروا أموراً إيجابية. آخر ما يمكن أن أقوله في الموضوع هو ضرورة التواصل بين المسؤول وكل العاملين في القطاع الذي يديره حتى لا يفاجأ بسلوك أو معلومات لا يرغب في انتشارها. يلغي هذا المفهوم صناديق الاقتراح والشكاوى ويلزم المسؤولين بإيجاد مواقع لتحميل مثل هذه المقاطع من قبل الموظفين، ويتخذ المسؤول الإجراءات على هذه المقاطع وفي الوقت المناسب، ويشجع العاملين على التواصل معه باستمرار. هناك مسؤولون في بعض الشركات يتصلون بموظفيهم من خلال شبكات داخلية تسمح للجميع بالتعامل مع المسؤول مباشرة وهذا المطلوب في العصر الحالي. خلاصة القول إن مثل هذه التعاميم لن تجدي في منع هذا السلوك، فالأولى أن تعمل الإدارة على أن تغرس مفاهيم المسؤولية والاهتمام بمستقبل المنشأة في قناعات الموظفين، وأن تستعين بهذه المقاطع في إصلاح الوضع من خلال تشجيع وصولها للمسؤول. لأنها قد تفيد في كشف ما لا تكشفه كاميرات المطار.