حقيقة تطرف قناة الجزيرة في طرحها الإعلامي لم يكن متوازنا منذ عام 1996، عندما ورثت سلفها هيئة الإذاعة البريطانية في الفضاء العربي، لكن ذاك التحيز والاندفاع كان يفسر بأنه إثارة إعلامية، ولكنها تبنت إعلاما تحريضيا واضحا خلال أحداث الربيع العربي، كانت متحيزة بشكل واضح مقارنة بقنوات أخرى، ثم تبنت الخط الإخواني مع الرهان الأمريكي عليه، وسقطت مصداقية القناة تماما بعد الثورة الشعبية المصرية التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي المحكوم السابق، والفار من سجنه، وروجت لأحداث غير صحيحة أفسدت عملها كمؤسسة تحتل مكانا واسعا في الفضاء العربي، وفي العالم، وبقي للجزيرة الآن برنامجها الوثائقي وقنواتها الرياضية التي ما زالت تحظى بمشاهدة معقولة. بدأت قناة الجزيرة من الدوحة بثها في عام 1996 بتمويل اعتبر كبيرا في وقته بمبلغ 150 مليون دولار منحة قطرية. جاء إنشاء "الجزيرة" للتعويض متزامنا مع إغلاق القسم العربي لتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية "المنشأة بالاشتراك مع مستثمرين من السعودية"، لكن الشراكة السعودية مع تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية انتهت، وتوقفت هيئة الإذاعة البريطانية لتبدأ "الجزيرة" قناة قطرية تعتمد على مواردها الذاتية. لقد اتخذت "الجزيرة" محور الربيع العربي مهمة على عاتقها، ثم ضيقت اهتمامها لدعم التيار الإخواني بصفته أوضح خيار الجماهير الأكثر تنظيما في بدايات الربيع العربي، وكان خطأ "الجزيرة" تجاهل التيارات الأخرى، مما أفقدها الكثير من مصداقيتها في نقل كل وجهات النظر. أما القشة التي قصمت ظهر "الجزيرة" فكانت رهانها المتعصب لاعتصامات الإخوان المسلمين وتجاهل حركة الجماهير الأكثر عددا التي تعارض الإخوان المسلمين في ميدان التحرير، وانحيازها التام في نقل مباشر لوجهة نظر واحدة ودعمها. بشكل عام تقوم فكرة الوسيلة الإعلامية الناجحة على عدد من القيم والمحاور تضمن استمرار حركتها وتطورها وقابليتها للتغيير بتغير الظروف، فإن تبنت المؤسسة الإعلامية حملة أو هدفا أو تيارا سياسيا، فيجب أن تضع لنفسها خط رجعة، لأن السياسة والفكر متغير حاد لا يمكن ثباته، ودون خط رجعة تفقد القناة مصداقيتها إذا لم تتغير مع متغيرات الحال. أحيانا تؤسس قنوات لحزب أو اتجاه فكري، لكن أن تتحول قناة شعبية لها مساحة واسعة من العالم إلى بوق لحزب واتجاه دون غيره، وتجند نفسها لهذا الهدف، فهو أمر ضد مصلحة المؤسسة الإعلامية، ومصداقية الوسيلة. ومهما حسبت أنها تخدم مبدأ فهي تخسر سمعتها، فاتساع الحياة أكبر من حزب أو فئة أو اتجاه مهما كان توجهنا صحيحا، فالوسيلة العامة تترتب عليها مسؤولية عامة تجاه كل من تصل إليه.