في مناشدة عامة مطلع هذا الشهر، طالب الرئيس السابق الإيراني محمد خاتمي «السلطات» بإنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على المرشحين الرئاسيين السابقين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، قبل أن يبدأ الرئيس المنتخب حسن روحاني مدته الرئاسية في أغسطس (آب). وحتى في رأي من تربطهم مصالح بالنظام، فإن مناشدة خاتمي تبدو منطقية. فإذا ما بدأ الرئيس الجديد عمله فيما لا يزال الزعيمان المعارضان رهن الإقامة الجبرية، لن يتسنى له الزعم بأن انتخابه قد ساهم في تخفيف حدة التوتر في البلاد. على الجانب الآخر، إذا أطلق سراح الرجلين بعد حلف روحاني اليمين، فسيعطي ذلك انطباعا بأنهما كانا محتجزين من قبل الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد. ومع ذلك، فإن أحمدي نجاد، الذي يجمل صورته الآن، قد أوضح أنه ليست له صلة بالاعتقالات وقرار وضع المعارضين قيد الإقامة الجبرية. تكمن المشكلة في أنه لا أحد يعلم على وجه التحديد من أمر بالاعتقالات. يؤكد مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي أنه لا يتدخل في النظام القضائي. ويقول رئيس السلطة القضائية، صادق لاريجاني، وهو ملا آخر، إن فريق عمله لا يشارك في اعتقال الناس. من ثم، إذا لم نكن نعلم من أمر بالاعتقالات، فمن سندعوه ليأمر بإنهائها؟ تزداد المشكلة تعقيدا عندما يصر محامو موسوي وكروبي على أنه لم توجه أية تهمة لأي منهما، فما بالك ب«جريمة» بعينها تكون عقوبتها الوضع رهن الإقامة الجبرية. (ينطبق الأمر بالمثل على زوجة موسوي، زهراء رهنافارد، التي وضعت أيضا رهن الإقامة الجبرية). هل يمكننا اعتبار موسوي وكروبي ورهنافارد معتقلين سياسيين؟ هنا أيضا لا تبدو الأمور بتلك البساطة. فصدق أو لا تصدق أن النظام القانوني بالجمهورية الخمينية لا يضم نصا ل«الجرائم السياسية». يقول ألاهيار مالكشاهي، رئيس اللجنة القانونية والقضائية بمجلس الشورى الإسلامي، بديل البرلمان في إيران: «لقد شكلنا الآن لجنة من ثلاثة رجال لتقديم تعريف لمفهوم واقتراحه لسن تشريع». ربما يبدو كل هذا مفاجئا حينما نتذكر أن أكثر من 4000 شخص مودع بالسجون حاليا أو قيد الإقامة الجبرية بسبب «جرائم سياسية» مزعومة ولكن غير محددة. وبحسب تقديرات لمنظمات حقوق الإنسان، فقد أمضى نصف مليون إيراني على مدى الخمسة والثلاثين عاما الماضية فترات متباينة من الوقت، من بضع ساعات إلى عقود كاملة، في السجن بسبب نفس «الجرائم» غير المحددة. وهذا دون وضع العدد الهائل ممن أعدموا في الحسبان. يقر مالكشاهي بأن كثيرين مودعون في السجن بسبب أنشطة سياسية قانونية نظريا، لأن النظام لا يوضح ماهية الجريمة السياسية. ويعد مالكشاهي أيضا بأنه سيجري عرض مشروع قانون لمخاطبة هذا القصور على مجلس الشورى الإسلامي خلال العام المقبل. لطالما ادعى النظام أن المواطنين يتمتعون بالحرية السياسية الكاملة. ومن ثم، فقد اعتقل أو أعدم معارضين حقيقيين أو تخيليين بناء على تهم لا توجد بالأساس في النظام القانوني للخميني. وتضم هذه التهم «شن حرب على الله» و«نشر الفساد في الأرض»، وبالطبع، التجسس والخيانة العظمى. وفي معظم الحالات، تكون عقوبة تلك «الجرائم» الإعدام. من الواضح أنه لا يمكن توجيه أي من تلك الاتهامات ضد موسوي وكروبي ورهنافارد. لو كان توجيه تلك الاتهامات أمرا ممكنا، لقام النظام بذلك خلال الأربع سنوات الماضية. لقد حرم الثلاثة من حرياتهم الأساسية على مدى أربعة أعوام من دون مبرر قانوني. إذن، ما وضعهم؟ الإجابة المثلى هي أنهم رهائن. لكن من هم محتجزو الرهائن؟ لا يمكننا معرفة هذا على وجه التحديد، نظرا لأنه لا يقر أي من مسؤولي أجهزة النظام بمسؤوليتهم. إن هذا التحاشي للإقرار بالمسؤولية أمر مفهوم. فالقبض على الرهائن واحتجازهم جريمة كبرى في قانون العقوبات الإيراني عقوبتها السجن 15 عاما، وأحيانا الإعدام. وفي مقابلة مع إحدى الصحف التي تصدر يوميا في طهران، هرب مالكشاهي من السؤال بالتأكيد على أن لجنته لم تكن «تتعامل مع قضايا فردية». هذا عادل بالدرجة الكافية. ومع ذلك، فإن اللجنة لا يمكنها تجاهل قضية موسوي – كروبي - رهنافارد على الأقل كنقطة مرجعية. فهنا، لدينا ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى بالنظام احتجزوا رهائن من دون أن توجه إليهم أي تهم. كان كل ما فعلوه هو رفض نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009. لكن لا يعتبر دستور دولة الخميني أو قانون العقوبات الإيراني، المرتكز على قوانين نابليون، مثل هذا العمل جريمة، فما بالك بكونها تخضع لعقوبة الاحتجاز كرهينة. هل يجب أن يبقى موسوي وكروبي ورهنافارد محتجزين إلى أن يحدد قانون جديد ماهية «الجريمة السياسية»؟ وحتى إن جرى سن مثل هذا القانون، فإنه لا يمكن تطبيقه بأثر رجعي. بعبارة أخرى، لا يمكن اتهام الثلاثي ب«جريمة» جرى تعريفها بعد خمس سنوات من ارتكابهم لها. إن الزج بالناس في السجون أمر سهل؛ ولكن إطلاق سراحهم مهمة معقدة. لنعد إلى مناشدة خاتمي. ربما يكون المرء قد أمل أن يوسع الرئيس السابق نطاق مناشدته بحيث تشمل كل هؤلاء الموضوعين قيد الإقامة الجبرية بسبب رفضهم نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009. إن التركيز على الثلاثي موسوي وكروبي ورهنافارد ربما يكون هدفه أن يسهل على السلطات القادمة مهمة إنهاء دراما احتجاز الرهائن. ومع ذلك، فإنه ليس ثمة ضمان على أنه بمجرد إطلاق سراحهم، لن يسعى كل من موسوي ورفيقيه إلى رفع دعوى قضائية ضد هؤلاء الذين سلبوا منهم حريتهم لفترة طويلة الأمد. وهذا بدوره ربما يفتح عش دبابير جديدا، من شأنه أن يصرف الانتباه بعيدا عن روحاني مع بدئه فترة رئاسته. ومن ثم، يتطلب تحرير موسوي وكروبي ورهنافارد اتفاقا سياسيا على أعلى مستويات نظام الخميني. والسؤال هو: هل يمكن أن يلعب روحاني دورا، خلف الكواليس، في صياغة مثل هذا الاتفاق؟ ربما يفتح «مفتاحه» البوابات التي يحتجز خلفها عدد هائل من البشر من دون اتهامهم بأية جريمة؟