كانت مظاهرات 30 يونيو في مصر التي أدت إلى سقوط حكومة محمد مرسي وإبعاده عن سدة الحكم مع بعض القياديين من تنظيم الإخوان المسلمين، حدثاً مدوياً على الصعيدين: العربي والدولي. يظهر ذلك من خلال حجم ردود الفعل التي تلت ذلك السقوط أو «الإسقاط» على اعتبار أن حجم المظاهرات كانت تفوق المتوقع، إضافة إلى دخول العسكر على خط اللعبة السياسية، والانحياز إلى المظاهرات المنددة بحكم الإخوان في مصر، الأمر الذي باين بين الآراء التي تتراوح بين كون ما حصل مظاهرات شعبية شرعية لدى من يراها كذلك من معارضي الإخوان، في مقابل كونها انقلاباً عسكرياً لمن يميل إلى كفة الإخوان، أو من ينظر إلى المسألة على أنها انقلاب على الديمقراطية، وليست فقط انقلاباً على الإخوان لمن يحاول التوسط بين الرأيين السابقين. وأياً يكن الأمر بين الآراء الثلاثة التي انتشرت في الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية؛ إلا أن الأمر يأخذ -في رأيي- منحى مختلفاً وهو حجم الحدث أياً كان مسماه، من ناحية قراءته بوصفه «حدثاً رمزياً لسقوط تيارات الإسلام السياسي» لعدم قدرتها على إدارة علاقاتها الدولية، أو الحزبية، سواء مع الدول العربية والأجنبية، أو عدم قدرتها على إدارة صراعاتها مع الأحزاب المعارضة التي ناصبتها العداء، مهما كان هذا العداء سواء كان عداء بسبب خلاف سياسي بحت، أو كان عداء فكرياً يحمل في طياته العداء لكل ما هو داخل في إطار التحزب الإسلامي، حسب من يروّج لهذا الرأي من قِبل بعض الإسلاميين. بعد سقوط الإخوان في مصر اتجهت الأنظار بالنسبة للخليجيين إلى «إخوان الخليج» بوصفهم التمثيل الفكري والديني للتنظيم الأم في مصر في الداخل الخليجي.. بالطبع، هناك تفاوت كبير بين التنظيم الأم وبين المؤسسات الإصلاحية والدعوية التي في الخليج على اعتبار أن الأولى: (جماعة الإخوان في مصر) لهم وجودهم الفاعل والظاهر والرسمي في مصر، خلاف الثانية: (المؤسسات الإصلاحية والدعوية) التي اضطرت إلى التحرك في إطار الإصلاح الاجتماعي والتوعية الدينية التي لا تثير إشكاليات في الخليج، كما هو العمل التنظيمي أو الحزبي. وعلى الرغم من عدم الاعتراف الرسمي من قِبل قياديي تلك المؤسسات بتلقي التعليمات من قِبل التنظيم الأم؛ إلا أن بعض الباحثين: (مشاري الذايدي، ومنصور النقيدان) يرون أن هناك تأثيراً كبيراً من قِبل التنظيم الأم في مصر على قياديي (بعض) المؤسسات التوعوية والإصلاحية في الخليج. (راجع: الإخوان المسلمون في الخليج. مركز المسبار للدراسات والبحوث. ص 42 43 و ص: 77). مما يجعل إطلاق اسم الإخوان فيه نوع من العمومية التي تحتاج إلى بحث في صحة ذلك المسمى من عدمه؛ غير أنه لابد من مسايرة المسمى العام: «إخوان الخليج» لشهرته واختصاره للاختلاف بين مكونات المؤسسات الدعوية والإصلاحية في هذه دول، على الأقل حتى يتم إيجاد مصطلح أكثر دقة. ومهما يكن الأمر، فإن سقوط الإخوان في مصر كان لابد أن ُيلقي بظلاله على جميع الحركات الإسلامية السلمية منها، وغير السلمية، في العالم العربي، لكون تنظيم الإخوان في مصر هو الأقوى على مستوى التنظيمات الإسلامية كافة، وتأثيره كبير على بعضها. وعلى هذا الأساس يصبح سقوط الإخوان بمنزلة أزمة عامة للتيارات الإسلامية، بما فيها التيارات التوعوية في الخليج العربي. وعلى الرغم من (دويّ) السقوط الإخواني في مصر، إلا أننا لا نجد تصريحات كبيرة يمكن الاتكاء عليها في تقييم موقف «إخوان الخليج»، غير بعض «التغريدات» المتفرقة في موقع التواصل الإلكتروني الشهير: (تويتر)، التي لا تشكل خطاباً عاماً يمكن الاتكاء عليه في بناء تصوُّر عن موقف واضح ل «إخوان الخليج». الخطاب العام الوحيد الذي جاء متأخراً عن حدث السقوط بأسبوعين تقريباً هو البيان الذي وقَّعه عدد كبير من الأسماء السعودية التي يظهر توجهها الإسلامي كسعود الفنيسان وعوض القرني ومحسن العواجي وغيرهم، وصل عددهم إلى أكثر من ألف و700 توقيع حسب بعض المواقع الإلكترونية، سُمي ب: «بيان المثقفين السعوديين لمؤازرة الشعب المصري»، اعترض عليه عدد من المثقفين السعوديين بوصفه لا يمثلهم، وبوصفه يحمل عدداً من التناقضات التي ليس أقلها التوجه باسم الشعب المصري، في حين أن الخطاب يميل لمؤازرة الإخوان بوصفهم «الشعب المصري» دون غيرهم من الفصائل المختلفة في مصر، الشيء الذي يمكن الوقوف عليه في تحليل رؤية عامة في موقف بعض من إسلاميي السعودية. وبعيداً عن هذا الجدل، فإن المسألة أكبر من قضية فصائل مختلفة أو انقلاب أو تدخلات خارجية أو غيرها، وإنما تعود -في رأيي- إلى أعمق من ذلك بكثير، وهو عجز تنظيم الإخوان عن إدارة الدولة بغض النظر عن الأسباب الأخرى التي بالتأكيد لا تخلو منها، إلا أنه يصبُّ في مسألة عجز الرؤية في مفهوم الرؤية المدنية والديمقراطية التي أغضبت عدداً من الدول، أو العسكر، أو جزءاً كبيراً من الشعب المصري، وهنا كان يجب الوقوف عند هذه النقطة طويلاً؛ إذ ليس من المعقول أن تتكاتف كل تلك القوى في إسقاط الإخوان وهم من سعوا في البداية إلى إنجاح رئاستهم في مقابل منافسيهم في بداية انتخابات مصر السابقة. كان السؤال الذي لابد أن يُجيبوا عنه: لماذا تكاتفوا ضد إخوان مصر؟ بالتأكيد ليست الخصومة مع الإسلام من ضمنها، والدليل أن بعض معارضيهم من الإسلاميين، ولذلك يجب البحث في المسائل الفكرية والسياسية لتلك الأخطاء التي قادت إلى ما قادت إليه. النظر بهدوء إلى الحدث بوصفه حدثاً مفصلياً في مسيرة الإخوان المسلمين منذ بدء تحركهم قبل حوالي الثمانين عاماً، أقول: النظر بهدوء إلى تفاصيل الحدث منذ بداياته يمكن أن يقود إلى عدد من الدروس التي تحتاج إلى جعلها أسئلة طويلة، ربما تقود إلى فهم عميق للتحولات الكبيرة التي ألقت بظلالها على الحراك العربي منذ قيام الثورات العربية، تمهيداً إلى مساءلة الذات الفكرية والحزبية قبل مساءلة الآخرين، وتحميلهم أخطاء غيرهم. الأمر الذي يمكن أن يقود إلى تغيير في الرؤية الفكرية والعملية في الداخل الخليجي من قِبل تلك المؤسسات الإصلاحية أو الدعوية؛ خاصة وأن رغبة الاستقلالية الفكرية كانت تلوح في أفق المؤسسات الدعوية الخليجية منذ تأسيسها، مما جعلها تعمل عملها حتى الآن من غير تضييق كبير يُعيقها عن مزاولة أنشطتها. يبقى أن تعيد حساباتها الفكرية والحزبية من خلال تطوير أدواتهم الفكرية والسياسية والدينية بحيث تكون أكثر تصالحاً مع العصر لفهم جديد متجاوز لتلك الرؤى التقليدية في مفهوم الدولة الحديثة، وإحلال مفهوم المواطنة بدلاً عن مفهوم التحزب الذي قاد إخوانهم في مصر إلى التكتل ضدهم، والعمل على إقرار مبدأ التعددية المجتمعية التي لا تخلو منها المجتمعات الخليجية، والتخلي عن أحاديتها الضيقة؛ إضافة إلى الانفكاك من قبضة التنظيم الأم والاستقلالية السياسية والفكرية لتقديم نموذجهم الفكري والسياسي الخاص الذي يمثلهم أحسن تمثيل؛ خاصة في وجود تجارب لتنظيمات إسلامية ناجحة في إدارة علاقاتها كحزب العدالة والتنمية في تركيا يمكن الاستفادة من تجربتها فكرياً وسياسياً. هذه أسئلة في صميم إشكاليات العمل الإسلامي، وليست خاصة في إخوان مصر أو «إخوان الخليج»، تحريرها فكرياً وعملياً يجعلنا أمام دروس حقيقية يمكن الاستفادة منها بعد الإفاقة من صدمة سقوط إخوان مصر، التي أتصوَّر أنها سوف تطول ما لم تتم مراجعة كثير من الأمور. * كاتب وباحث سعودي