لشهر «رمضان» معان مختلفة ومتعددة بحسب الدولة والمجتمع، فهو في دول إسلامية له معان روحية واجتماعية أكثر من أي شيء آخر، لكنه في دول غربية له معان ثقافية وحضارية مختلفة نوعا ما عما هي عليه في الدول الإسلامية، ولعل جانب البعد الحضاري والمعرفي أكثر هذه النقاط أهمية في فهم المجتمعات المسلمة من قبل المواطن الغربي. في بداية العام الحالي زرت مدينة أتلانتا في الولاياتالمتحدة الأميركية، وهي المدينة الشهيرة بأنها مدينة الحقوق لكثرة المنظمات الحقوقية فيها ومنها انطلق «مارتن لوثر كنغ»، وأثناء زيارتي لأحد أهم القنوات الداعية للحوار والتبادل الحضاري التقيت سيدة أميركية من أصل مصري استطاعت أن تغير كثيرا في محيط مجتمعها الصغير وتجاوزت ذلك لتكون ظاهرة في العالم من خلال قدرتها على التواصل مع الآخر مع الحفاظ على الهوية الإسلامية لها، إنها الدكتورة سمية خليفة، مؤسسة جمعية المتحدثين الإسلامية في أتلانتا، ومن خلال هذا البرنامج القائم بالدرجة الأولى على التواصل والتعريف للسعي نحو فهم أفضل للأقليات الإسلامية في العالم، وقد زرت هذه الجمعية والتقيت حينها الدكتورة سمية، التي كانت قد اكتسبت شهرتها من خلال برنامج إذاعي بدأ في شهر رمضان بعنوان «تعرف على جارك المسلم»، والذي أصبح من أشهر البرامج الإذاعية في الولاياتالمتحدة لاحقا. هذا الحديث سببه إعلان القناة الرابعة البريطانية بث آذان الفجر طوال أيام شهر رمضان المبارك، وذلك بهدف تعريف البريطانيين على ثقافة شريحة كبيرة من المجتمع البريطاني. لا شك أن الإعلام أحد أهم أدوات التواصل الحضاري والتقارب الفكري والتعايش بين الحضارات ومن خلاله يمكن زيادة وتيرة الخلاف أو تحجيمها، وذلك من خلال فتح آفاق ومنافذ للتفاهم، ما قامت به القناة البريطانية الرابعة لا شك أنه يصب في خانة تعزيز صيغ الاندماج بين شرائح المجتمع الواحد، فالمسلمون اليوم هم جزء من النسيج البريطاني، وإذا أرادت أي حكومة في العالم أن تذيب حدة التوتر بين أفراد المجتمع فإنها تقوم بخطوات شجاعة قد تبدو لأول وهلة مستفزة للأكثرية لكنها في حقيقتها محاولة لإزالة مظاهر التوتر المتمثلة في الشعائر الدينية بالدرجة الأولى، والتي تعتبر حصن الهوية الأول لدى هذه المجتمعات، الانتقال من فكرة الجالية إلى فكرة الأقلية ومن فكرة الأقلية إلى فكرة المجتمع الصغير تعطي شعورا بالمواطنة أكبر وانتماء للوطن الذي يعيش فيه الإنسان، ربما كانت الدكتورة سمية خليفة في الولاياتالمتحدة الأميركية تسعى للوصول إلى هذه النتيجة التي جاءت في بريطانيا من خلال قناة إعلامية كبرى لها وزنها وتأثيرها، لقد كانت بعض الجمعيات الإسلامية الواعية في أميركا وأوروبا تهدف بالدرجة الأولى إلى عملية الاندماج التام مع المجتمع بدل الانعزال التي اتسمت به أقليات إسلامية على مدى عقود طويلة، وهو الأمر الذي أكسبها مزيدا من العزلة والتوتر، الغريب أن تجد من بعض القيادات المجتمعية للمسلمين من يريد تكريس مفهوم العزلة والشعور بالظلم فيتماهى في انعزاله ووحدته إلى حد يقوده إلى التأثر لا التأثير. * كاتب سعودي