نظام الشركات تحدث عن موضوع التخارج بشكل مقتضب دلت الممارسات العملية والتجارب القضائية على أنه غير كاف، إذ تظهر العديد من الإشكاليات التي لا تجيب عنها مواد النظام ولا عقد تأسيس الشركة عند بداية أي عمل تجاري تكون الأذهان كلها مركزة على كيفية البداية، كما تكون الموارد كذلك مركزة على الاستثمار في هذه البداية بما يكفل للمشروع الاستمرار، وفي حالات التشارك لإنشاء مشروع معين يكون التركيز على تفعيل الشراكة وأداء كل شريك لالتزاماته المالية والعملية قدر الإمكان، وبعد أن يكبر المشروع يكون التركيز على تسييره وتسيير أعماله وتغطية تكاليفه قد الإمكان، ويبقى هنالك في الخلف عدد من النقاط والمواضيع بالغة الأهمية لا يلقي لها الكثير بالا من باب إحسان الظن في المشروع أو في الشركاء، أو من باب عدم المعرفة أو عدم التقدير لخطورتها وأهميتها عند وقوع الاختلاف بين الشركاء في المشروع، ومن هذه النقاط المهمة "إدارة عملية التخارج" بين الشركاء. "التخارج" يعني قيام الشركاء بفض الشراكة فيما بينهم من خلال شراء بعضهم لحصص البعض، وهذا التعريف على قدر ما فيه من اختصار فإن فيه من الإشكاليات الشيء الكثير، فعند التخارج تكون النفوس في الغالب مشحونة بالخلاف أو متخوفة من الخسارة أو طامعة في المكسب وفي جميع هذه الحالات ستكون المشاحة لا الأريحية هي سيدة الموقف بغض النظر عن طبيعة العلاقة بين الشركاء، وتظهر أهمية وخطورة موضوع التخارج وإدارته في الشركات العائلية ذات الباع الطويل في السوق عندما تكون حصص الشركاء ذات قيمة "عائلية" عالية لها أهميتها في هذا الكيان فضلا عن القيمة "الاقتصادية" المعتبرة. إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العدد الأكبر من الشركات في المملكة هي شركات ذات مسؤولية محدودة، فإن نظام الشركات قد تحدث عن موضوع التخارج بشكل مقتضب دلت الممارسات العملية والتجارب القضائية على أنه غير كاف تماما لحل إشكاليات عمليات التخارج بين الشركاء، إذ تظهر العديد من الإشكاليات التي لا تجيب عنها مواد النظام ولا عقد تأسيس الشركة ما لم يكن الشركاء قد تحسبوا لها ابتداء وأخذوها بعين الاعتبار منذ البداية لتلافي هذه الثغرات والفجوات النظامية من خلال بعض الإجراءات والتفاصيل التعاقدية بين الشركاء. عند التخارج فإن الأساس أن يكون للشريك أو الشركاء الراغبين في الاستمرار في الشركة الحق في أن يشتروا حصص الشريك المتخارج قبل غيرهم وذلك من خلال ممارسة حق "الاسترداد" الذي كفلته لهم المادة (165) من نظام الشركات، وهذا الحق مكفول لمدة ثلاثين يوما من التاريخ الذي يتم الإخطار فيه، فإذا لم يمارس الشركاء هذا الحق جاز للمتخارج أن ينهي إجراءات التخارج مع الشريك الجديد. إلى هنا تبدو المسألة سهلة ومباشرة لكن الأمر ليس على ما يبدو من السهولة والمباشرة، فأول سؤال ينقدح في الذهن "ما هو قصد النظام من أن للشريك أن يطلب استرداد الحصة بثمنها الحقيقي؟" هل ثمنها الحقيقي هو الثمن المعروض على الشريك المتخارج؟ أم هل هو القيمة الاسمية للحصة؟ أم القيمة السوقية للحصص؟ وهذه الأسئلة تعد هي الأهم في هذا الباب لأن معظم الخلافات تدور حولها خصوصا عن التباين بين القيمة السوقية والقيمة المعروضة على الشريك المتخارج وكذلك عند تباين الاثنين مع القيمة الاسمية للحصص، إذ كثيرا ما يلجأ بعض الشركاء لبعض الحيل لرفع قيمة الحصص خصوصا في الشركات العائلية التي يكون الشريك المتخارج عالما بأن الشركاء الآخرين لن يسمحوا للغير أن يدخل في الشركة مهما كان الثمن، وبالتالي يقوم برفع السعر المعروض عليه لإجبارهم على مثله، كما أن هنالك إشكالية أخرى ترتبط بالتقييم بالنسبة للشركات التي تملك أصولا عقارية، فهذه الأصول تسجل في حسابات الشركة بقيمتها الاسمية التي تم شراؤها بها، وهذه القيمة قد تكون أقل بمراحل من القيمة "الحقيقية" للعقار أو القيمة السوقية له، وهو ما سيؤثر على قيمة الحصة بالسالب ما لم يكن الشركاء الآخرون مقدرين ومتفهمين لهذا الأمر بشكل موضوعي وواقعي، من الإشكاليات التي تنشأ في هذا الباب حين يرغب الشركاء في ممارسة حق الاسترداد ولكن نظرا للقيمة المالية العالية للحصص فإنهم يرغبون في السداد على دفعات، فهل سيكون النظام في جانبهم أم في جانب الشريك المتخارج خصوصا إذا عرضوا ثمنا أكبر في مقابل تقسيط المبلغ؟ وما هي استحقاقات هذا الشريك والشركاء الآخرين عند تقسيط المبلغ؟ هل سيعامل على أنه من قبيل المشاركة المتناقصة أم سيكون خروجا كاملا من أول لحظة بغض النظر عن التسديد وآلياته؟ بعض الشركات تضع ما يسمى "اتفاقية الشركاء" (لعلها تكون محل مقال آخر بشكل أكثر تفصيلا) وهذه الاتفاقية تقوم بتفصيل ما أجمله النظام في عدد من النقاط ومنها موضوع التقييم عند التخارج بحيث تكون هي المرجع عند الخلاف بين الشركاء بشأن عملية التقييم، وقد رأيت من يتبنى آخر ميزانية للشركة على اعتبار أنها المرجع في التقييم، كما أن هنالك من يتفق على أن يتم التقييم من قبل مقيم مستقل بمواصفات معينة مع وضع أسس معينة للتقييم في ذات الاتفاقية بحيث يلتزم بها الجميع. أخيرا أقول من المهم جدا للشركات وخصوصا العائلية أن تضع موضوع التخارج وآلياته في الحسبان وأن تأخذه بعين الاعتبار لتلافي ما لا تحمد عقباه عند الحاجة إليه.