أجمع طلبة إحدى المدارس الثانوية على مقاطعة مقصف المدرسة والاستعاضة عنه بوجبات يجلبونها من منازلهم بعد أن تأخرت إدارة المدرسة في الاستجابة لمطالبهم بتحسين نوعية الوجبات وإعادة النظر في أسعارها وتنظيم عملية صرف الوجبات بطريقة تتلاءم مع قصر مدة الفسحة الزمنية المتاحة لهم. دعوة هؤلاء الطلبة إلى المقاطعة تمت من خلال استخدامهم للفيسبوك ووضع إعلانات وملصقات دعائية وكذلك شروط ومواصفات المقاصف المدرسية المعتمدة من الوزارة لتوضيح المخالفات القائمة في المدرسة. هذه أحد نماذج التعبير المطلبي الذي بدأ في الظهور في مجتمعنا وبأساليب جديدة لم تكن معروفة أو متداولة سابقاً، وهو نتيجة طبيعية للتغير المعرفي في ثقافة وتوجهات الجيل الجديد من أبناء المجتمع، الذي لم ينتظر ليقوم آخرون بالتعبير عن مطالبه وإنما يبادر هو إلى التعبير عنها بأساليب إبداعية ومتطورة. ومع الأهمية البالغة لدراسة هذا الموضوع من أبعاده المختلفة لما له من نتائج مستقبلية على وضع المجتمع، إلا أن ما هو متوفر من دراسات علمية وأبحاث متخصصة عن اتجاهات الجيل الجديد في المجتمع السعودي يعد قليلاً للغاية. ومن آخر الدراسات الصادرة في هذا المجال هو البحث الذي نشره مركز ويلسون قبل عدة أشهر تحت عنوان (مستقبل المملكة من وجهة نظر شبابها)، تتناول الباحثة والإعلامية الأمريكية كاريل مورفي تصورات جيل الشباب من السعوديين حول مستقبلهم وطرق تعبيرهم عن ذلك من خلال مقابلات أجرتها مع أكثر من مائة شاب وشابة في داخل المملكة وخارجها. فبعد أن تستعرض التركيبة الديموجرافية للمجتمع السعودي والنمو المضطرد لشريحة الشباب فيه، تؤكد الدراسة على أن من أبرز التحولات هي حالة الانفتاح والتواصل المباشر بين هؤلاء الشباب بسبب انتشار وتطور وسائل التواصل الاجتماعي مما ساهم في كسر الحواجز بينهم وكذلك مع نظرائهم في الخارج. اهتمت الباحثة أيضا في تناول تأثير انتشار التعليم على أفراد الجيل القادم وقدرتهم على التعبير عن مصادر قلقهم وتطلعاتهم وكذلك عن توقعاتهم للمستقبل الذي يريدون، ولعل أهم ما في هذا الجانب هو انحياز عديد من الشباب للاهتمام بالقضايا السياسية وبمواضيع الشأن العام بصورة أكثر من السابق. عبر الشباب والشابات عن تصورات مختلفة لحدود دور الدين في المجتمع، وأشارت الباحثة إلى تحفظات أبداها عديد منهم حول تأثير ذلك على الحريات العامة في المجتمع وعليهم بشكل خاص. كما تناول بحثها قضايا شائكة في المجتمع السعودي للتعرف على وجهات النظر حولها كموضوع المرأة والتنوع المذهبي. تعرض البحث أيضا إلى التأثير المتوقع لعودة الطلبة المبتعثين للخارج من أنه قد يشكل منعطفاً ثقافياً جديداً في المجتمع السعودي بسبب الانفتاح الذي يسببه الاحتكاك بالثقافات المتعددة في المجتمعات الأخرى، وأن الابتعاث يمكنه أن يساهم في خلق بيئات جديدة في المجتمع السعودي. المستقبل رهين بالدور الذي يمكن أن يهيأ له أبناء الجيل القادم، وببلورة التوجهات والمسارات التي يمكن أن تعزز تطورا حقيقيا لجيل الشباب وتجعلهم قادرين على التعبير عن ذواتهم وتطلعاتهم ضمن الأطر التي يختارونها ويرتضونها، وما لم نلم بهذه التحولات فإنه قد لا ندرك حجم تأثيراتها المستقبلية.