يمثل أمام العدالة قاضٍ واحد متهم بتزوير 44 صكا مكنته من الاستيلاء على أراضٍ حكومية، إضافة إلى تسلمه رشاوى قاربت المليون ريال، مقابل إنجازه بعض المعاملات، وهاتان الجريمتان: الرشوة، والتزوير، كشفتا بدورهما سلسلة من الجرائم التي أوجزها المدعي العام في: التزوير، والرشوة، والتكسب من الوظيفة، وسوء استعمال السلطة، فضلا عن العبث بالأنظمة والتعليمات. القاضي المتهم اعترف بتورطه في التهم التي تمت مواجهته بها، غير أنه عاد عن اعترافه، ولم يمنع ذلك المدعي العام من رفع أمره للقضاء مشفوعا بقرائن على جرائمه بلغت 180 قرينة تجعل من اعترافه أو عدم اعترافه مسألة هامشية لا تؤثر في قضية مكتملة الأركان. ولم يكن القاضي وحده قادرا على ارتكاب كل تلك الجرائم، خصوصا أن كتاب الضبط قد أشاروا خلال شهادتهم إلى أن ذلك القاضي كان يتابع عملية إصدار الصكوك مع آخرين شركاء معه هاتفيا، ويتواصل مع كتابة العدل لاستكمال إجراءاتها. ولم يكن القاضي وحده كذلك، فحيثما تكون هناك جريمة رشوة، فهناك راشٍ ومرتشٍ ومنسق بين الطرفين، وهؤلاء جميعهم شركاء في الجريمة. ولم يكن القاضي وحده كذلك، فكتاب العدل الذين أصبحوا شهودا في القضية كانوا شركاء فيها على نحو أو آخر، ذلك أن صمتهم عما كان يجري أمامهم جريمة في حد ذاته، سواء أكان هذا الصمت تواطأ مع القاضي واستفادة مما كان يقوم به، أو خوفا منه وخشية على وظائفهم من غضبه عليهم وكيده لهم، وقد كانت الأمانة التي تفرضها عليهم وظائفهم ويفرضها عليهم دينهم تقتضي منهم عدم الصمت والتواطؤ إن كان صمتهم استفادة، كما تقتضي منهم عدم الخوف والخشية إن كان صمتهم ناتجا عن الخوف والخشية. القاضي يمثل أمام القضاء، وينبغي ألا يمثل وحده، فمثل جريمته فرصة ينبغي ألا تفوت لتطهير القضاء من المستفيدين من انحرافات بعض القضاة وفسادهم، كما هي فرصة لتطهير القضاء من بطانة تعين بعض القضاة على استمراء الفساد كذلك.