مغريات الرشوة والاختلاس والتزوير تثير رغبته في الثراء السريع! كيف نحمي المواطن الشريف من المغريات المادية غير المشروعة؟..سؤال لا يهدأ داخل كل مواطن وهو يتابع يومياً عدداً من قضايا الرشوة والتزوير والاختلاس ونهب المال العام والإساء للوظيفة..سؤال مليء بالخوف على واقع تخلى فيه البعض عن قيمهم الإسلامية، ومبادئهم الوطنية، وفضّلوا الحرام على الحلال، والثراء السريع على رحلة العمل الطويلة والشاقة..سؤال لا يزال يبحث عن مبادرات عملية لتجسيد «الحماية من الصدمات» لكل موظف يعاني من قلة الراتب، أو تأخر الترقية، أو البدلات، ولكل مواطن لا يزال عاطلاً عن العمل، ولكل شاب يشعر أنه ظُلم مع «قانون الواسطة فوق الجميع».. «الرياض» تطرح في هذا التحقيق وعلى مدى ثلاث حلقات متتالية السؤال الأهم: كيف نحمي المواطن الشريف؟..الذي لم تتسخ يداه ب»السرقة» والتطاول على المال العام، وحقوق البسطاء.. ولم ينم ضميره عن إحساس القبول ب»أكل الحرام».. ولم يسقط من حساباته قيمه الدينية ومسؤولياته الوطنية.. وتجاهل جميع المغريات، وتمسك بنزاهة العمل بشرف وأمانة.. لماذا نحن خائفون؟ كشفت هيئة الرقابة والتحقيق - في تقرير سبق نشره هذا العام- عن ضبط أكثر من 3000 متهم في قضايا رشوة وتزييف واختلاس، كما أنجزت فروعها في المملكة ( 2597) قضية، وجاءت القضايا على النحو التالي: "1222" قضية تزوير واختلاس وتفريط في المال العام، و"260" قضية تزييف عملة، و"685" قضية رشوة، و"434" قضية إساءة معاملة باسم الوظيفة، وقد بلغ عدد المتهمين في تلك القضايا "3875" متهماً، كما تم إنجاز "217" قضية تأديبية مابين مخالفات إدارية ومالية، وبلغ عدد المتهمين في هذه القضايا "283" متهماً، وتسجيل "9277" قراراً إدارياً بالسجل الرسمي بالهيئة، وإنجاز "508" براءة ذمة وتمت المصادقة عليها، وبلغت قرارات الاتهام الجنائية والتأديبية التي أصدرتها الهيئة وتم الإدعاء بموجبها "5282" قراراً جنائياً و"126" قراراً تأديبياً، كما ورد للهيئة في تلك الفترة "2407" حكماً جنائياً و"32" حكماً تأديبياً من القضايا التي ترافعت فيها الهيئة أمام الدوائر في ديوان المظالم، وقد بلغت الأحكام المؤيدة من هيئة التدقيق "المحكمة الإدارية" (339). وتظهر هذه الأرقام -التي تم اكتشافها- عن "واقع مخيف" لجراءة البعض على تجاوز "حائط القيم والنزاهة"، وتقرير حجم المشكلة التي بدأت تتنامى داخل المجتمع، تساهلاً أحياناً، وطمعاً في أحايين كثيرة، و"النهاية المؤقتة": "الحرامي" يبقى في النعيم و"الشريف" يكابد ظروف الحياة الصعبة..!. مغريات الرشوة والاختلاس والتزوير تثير رغبته في الثراء السريع! أسباب المشكلة..والإحباط! ومن منطلق الحرص على "المواطن الشريف" من الانجراف حول هالة الثراء السريع، تحدث عدد من المختصين في بعض الجهات الرقابية عن الأسباب الداعية إلى انسياق البعض نحو الفساد بأنواعه، جازمين بأن الفساد لايأتي من مبدأ العوز والحاجة فقط، بل أن الكثير ممن عاث في الأرض فساداً، واختلس وارتشى وزوّر كان من الأثرياء أيضاً. ويقول القاضي الشيخ "د.خالد الداود" إن المحافظة على المواطن الشريف تستلزم ابتداءً محاربة الفساد الإداري والمالي بأنواعه، وتعزيز الوازع الديني في النفوس، وتعظيم قدر الأمانة، والرضا بقضاء الله وقدره في تقدير الرزق، إلى جانب زيادة دخل الفرد دون الحاجة إلى البحث عن مصادر أخرى غير مشروعة، والتحذير من مخاطر الجشع والطمع والرغبة في الثراء السريع، متأسفاً على ضعف الرقابة في معظم الأجهزة الحكومية، وعدم وجود آليات تضبط العمل، أوعقوبات رادعة لمن يرتكب فساداً مالياً أو إدارياً، مشيراً إلى أن تعاطينا مع قضايا الفساد مازال ضعيفاً جداً، وللأسف هذه القضية سائحة بين قضايا كثيرة بالرغم من أهميتها، فالمجتمع يسمع ويقرأ ولايعير اهتماماً؛ لأنهم محبطون!. اختيار الكفاءات وأضاف: إن المحافظة على المواطن الشريف تتطلب أيضاً اختيار المسؤول الكفء في منصبه، حيث نلحظ أن الكثير من الفساد جاء من أصحاب النفوذ، نتيجة عدم تخير وتعيين الكفاءات، واختيار الأشخاص المناسبين في المناصب الهامة والحساسة، وربما دفع ذلك ذوي الكفاءات من الإصابة بالإحباط في أداء العمل، وضعف الإنتاجية، وعدم الاهتمام، وربما الاستسلام أمام المغريات، مؤكداً على أن هناك من "أصحاب النفوذ" من استغل نفوذه الشخصي ومصالحه الشخصية، وتصرف تصرف الحاكم للإدارة، والمالك لها، وكأن هذه الإدارة ملك له وحده، مشيراً إلى أن عدم وجود المساءلة عزز من تمادي الفساد، ولذلك لابد من إيجاد نظام مساءلة الوزراء والمسؤولين، فالوزير والمسؤول بشر، وليس كل قرار منه صحيح، فلابد من متابعتهم منعاً من العبث، فعدم وجود الآلية التي تضبط وجوب القرارات وعدم الرقابة والمتابعة الدقيقة وإغفال الرقابة المنضبطة هي السبب وراء التأخر في الكشف عن الفساد، مؤكداً على أن الفساد لايحل إلا بوضع "الرجل الصالح الأمين" لتستقيم الجهة، وذلك ينطبق على جميع المستويات، فاختيار المسؤول الكفء عنصر مهم في الحفاظ على المال العام، وذلك يقتضي وجود آليات تضبط حقوق المواطنين، وهيئة لمكافحة الفساد نختار لها رجالاً أقوياء ولهم الصلاحيات الكاملة في المحاسبة والمراقبة والاستدعاء والحالة إلى التحقيق والمحاكمة. من يعيد صياغة الأنظمة؟ وأشار إلى أن الكثير من الأنظمة مع التطوير والانفتاح لابد من إعادة النظر فيها، فعلى سبيل المثال المرسوم الملكي عام 1773 لابد أن يعدل والمتعلق ببعض العقوبات، وهذا النظام قديم جداً ومازال يعمل به، وكذلك نظام القضاء الذي ظهر مؤخراً يوجد به ثغرات واضحة وقوية من عدم جدواها وغيرها من الأنظمة التي تحتاج لإعادة صياغة حسب التطوير، سواء نظام الرشوة أو التزوير أو غيرها، إلا أن السؤال الأهم من يعيد صياغة النظام؟، لابد من اختيار ذوي الخبرة من المستشارين والقضاة. «طابور البطالة» محبط أمام جيل منفتح على المغريات والمتغيرات معاً «إرشيف الرياض» فوبيا البلاغات وقال الشيخ "د.الداود" أنه على مستوى التحقيقات يوجد هناك بطء في التحقيقات والمتابعة الدقيقة، وعدم وجود العقوبات الرادعة المتعلقة بها، فقضية الفساد تحتاج في التعامل معها إلى الوضوح والشفافية والمتابعة الدقيقة، فالكثير من الناس في الأجهزة الحكومية يقع على نوع من أنواع الفساد، لكنه يخشى على نفسه من التبليغ، فقد يلحق به الضرر؛ بسبب أن الشخص الذي يفسد له علاقته ونفوذه على مستوى كبير، وهذا قد يؤثر على الشخص المبلغ، وذلك بسبب عدم وجود الأمن الوظيفي لمن رغب في الكشف عن الفساد، بل هناك من خلال التجارب بعض المواطنين حينما يتقدمون بخطابات للجهات المسؤولة للكشف عن حالة من حالات الفساد الموجودة في جهاز مالي أو إداري يعود الضرر عليه بفصله، أو بعدم ترقيته، أو حرمانه أو بمضايقته وتلك مشكلة كبيرة، مؤكداً على أن "المواطن الشريف" يستشعر الأمانة من حبه وولائه لدينه، ثم لبلده، ثم مليكه، فهناك من لايبالي، وحينما يرى وجهاً من أوجه الفساد يتوكل على الله ويدلي بما يعرفه، وهذا هو الأصل في المواطن الشريف، ولكن الخوف على الرزق أيضاً سبب مشروع يعذر به المواطن، إلا أن الثقة موجودة بولاة الأمر بالحرص على مكافحة الفساد بجميع صوره وأشكاله بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، واختيار الرجال الأمناء المخلصين عن طريق واقع ملفات العمل، ممن عرفوا بنزاهتهم، ثم تفعيل الدور الرقابي، ووجود الضوابط التي تجعل كل مؤسسة حكومية خاضعة للمساءلة بدءاً من المسؤولين الكبار، كذلك فإن من المهم وجود قناة مخصصة لشكاوى المواطنين وملاحظتهم، مع وجود مختصين للتأكد من هذه الشكاوى التي توجه ضد مسؤول أو نظام أو خلل أو ملاحظة لتصل بين الفرد والدولة. أين عقوبة التشهير؟ ويشير الباحث القانوني فهد آل براهيم إلى انتشار قضايا الاختلاس والرشوة في الفترة الأخيرة، حيث أصبح عامة الناس يدركون خطورة ذلك في بعض الأجهزة الحكومية، وربما السبب خلف تلك التجاوزات في المقام الأول هو ضعف الوازع الديني، وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن أولاً ثم تجاه المواطن ثانياً، وربما من أحد أسباب تفشي ذلك الفساد هو ضعف وقلة المردود المادي من الوظيفة الحكومية، حيث لايتناسب أبداً مردودها المادي مع متطلبات الحياة، فالموظف الحكومي لايزيد راتبه سنوياً سوى بمقدار "200" إلى "300" ريال، وقد يكون وضعه المادي متردياً، بالإضافة إلى تكاليف السكن والمعيشة والتي تمثل ضغطاً عليه، وذلك ربما يدفعه إلى الانحراف ثم الاختلاس والرشوة والفساد، وحتى إذا سلمنا بأن هناك فساداً مالياً وإدارياً، فإنه لايوجد ردع كبير يخشاه من تسول له نفسه لذلك النوع من الفساد، فنادراً مانسمع بأن هناك تشهيراً بالمختلسين، أو تم ضبط مختلسين وذكرت أسماؤهم، فقلما نسمع عن قضية أو قضيتين، أما على مستوى الطبقات البسيطة والمتوسطة فإن المجال مفتوح في ذلك النوع من القضايا، ولانستطيع أن نجزم بوجود وتفاقم نوع معين من الفساد دون آخر، فالفساد يشمل التزوير والاختلاس والرشوة وإساءة استخدام السلطة والتعسف الإداري، وهي جميعاً مخالفات عامة تدخل في الفساد؛ ولذلك لاتوجد إحصائيات دقيقة جداً تحدد حجم جرائم الاختلاس أو الرشوة أو التزوير أو غيرها؛ لأنها مستمرة في كل يوم، إلا أنه لا يمكن أيضاً تعميم تلك القضايا على طبقة في المجتمع دون أخرى، فالفقير يختلس؛ لأنه يريد أن يحسّن من وضعه والغني يريد مزيداً من الثراء، وذلك ما لاحظناه على مستوى الاختلاسات والفساد الذي حدث في جدة مثلاً. تلبية احتياجات الموظف وقال: إن القضايا المتعلقة بالوظائف الحكومية فإنها تدخل في نطاق الفساد الإداري والمالي، أما من ناحية المجتمع المدني فتدخل فيها القضايا العامة والجرائم؛ لذلك في حالة ثبوت المخالفة فإن هناك نوعاً من المخالفات لايتم البت فيها إلا عن طريق القضاء، فعلى سبيل المثال الجرائم المتعلقة بالتعسف في السلطة الإدارية فبوجه عام لايوجد بها تحديد دقيق، فالجهة الحكومية ستتمسك بمفهوم المصلحة العامة، وماسك زمام السلطة في ذلك قد يخالف المواطن المتظلم بأنه اختلاف في وجهات النظر، وأنه يسعى للمصلحة العامة، ولذلك هي جريمة لايحكم فيها إلا القضاء، أما الجرائم الأخرى مثل الرشوة الوظيفية، فإنه يمكن أن تضبط من قبل الجهة الحكومية، وتمارس اختصاصها بالتحقيق الإداري داخل الجهة الحكومية، ثم تحال كافة أوراق التحقيق إلى هيئة الرقابة والتحقيق لاستكمالها من خلال ديوان المظالم، وديوان المظالم يمارس إختصاصه بإصدار العقوبات للمخالفات المالية والإدارية، ولذلك فإن العقوبات التي صدرت بحق من زور واختلس وثبت عليه الفساد الإداري فإن عقوبته كانت رادعة، وإن لم تكن كذلك بالنسبة للمجتمع إلا أنه لابد من إعادة النظر في الأنظمة المعمول بها في القطاعات الحكومية، فما يحدث هو أن أي طالب يتخرج من الجامعة يستطيع التقديم على الوظائف الحكومية فيقبل، وللأسف ليس لديه وعي قانوني، فالوظيفية الحكومية شرف، وإذا لم يتقلدها من يعي حقوقها فإنه لاقيمة له، مؤكداً على أن المواطن الشريف لايحتاج إلى حماية، بل لابد من إعادة النظر في أنظمة وامتيازات الموظف في القطاع الحكومي، وأن ينظر في احتياجاته حتى لايضطر إلى الانحراف والاختلاس. قضايا الرشوة والاختلاس ويؤكد المحقق في هيئة التحقيق والإدعاء العام بالمنطقة الشرقية الأستاذ "منصور المنيف" أنه على الرغم من أن الهيئة مختصة بالقضايا العامة، وقضايا الرشوة والاختلاس مختصة بها هيئة الرقابة والتحقيق، إلا أن هيئة التحقيق ترد إليها قضايا في ظاهرها عامة، إلا أنها مبطنة بالرشوة والاختلاس. وقال: إن الاختلاس نوعان، نوع متعلق باختلاس الأفراد للمحلات التجارية والمؤسسات والشركات، وهو اختلاس في مفهومه العام يندرج تحت الاختلاس النظامي، ولكن في مفهومه الدقيق يعتبر خيانة أمانة، كمالك لمحل تجاري يتقدم بشكوى ضد من استأمنه على ذلك المحل بأنه اختلس وسرق، فهنا بها خيانة للأمانة، أما الاختلاس النظامي، فهو الذي يقع على أمناء الصناديق وغيرهم الذي نص عليه نظام الاختلاس، إلا أن الاختلاس الفردي أكثر من الاختلاس النظامي بكثير، مؤكداً على أن هناك الكثير من القضايا التي ثبت فيها الاختلاس وسرقة الأموال والتي قبض فيها على أشخاص من أصحاب النفوذ العالية.