الطبيعيُّ أن يكونَ هناك متّهمٌ في قضية بعينها، ويأتي القاضي والمحامي والمدّعي العام في المحكمة، ثم يحكم القاضي ببراءة المتّهم لعدم كفاية الأدلة، ولكن من غير الطبيعيِّ أن يتمَ الحكمُ بتبرئة المتّهم، على الرغم من أن هذا المتّهم يعترفُ بجريمته. بالأمس نشرت إحدى الصحف المحلية رفض محكمة الاستئناف بمكة المكرمة حُكمًا يقضي ببراءة كاتب عدل من تهمة (التزوير)، مطالبة بإعادة محاكمته، وفقًا لاعترافاته التي صادق عليها شرعًا، والمتضمنة اعترافه بتزوير صك أرض مساحتها الأصلية 30 كلم2، وزيادتها إلى 85 كلم2، مقابل تسلّمه شيكًا بمبلغ 5 ملايين ريال. وقد تسلّمت محكمة الاستئناف قبل أسبوعين صكًّا أصدرته المحكمة العامة بجدة يقضي بصرف النظر عن دعوى المدّعي العام بهيئة الرقابة والتحقيق ضد كاتب عدل متّهم بالتزوير والرشوة، تحت مبرر عدم اكتمال أركان الدعوى، وتبرئة كاتب العدل، وهو -مكفوف اليد عن العمل منذ عام- من التُّهم الموجّهة إليه. وقد رفضت محكمة الاستئناف الحكم؛ لأن أوراق التحقيق تتضمن اعترافات مصدّقة شرعًا من الجهات المختصة بممارسة كاتب العدل التحايل والتزوير. وهذا موقف خطير، إذ إنه من الصعب على المجتمع أن يتقبّل تبرئة متهم يعترف بجريمته، وبأنه مخالف، خصوصًا إن كان اعترافه طواعية، ولم يكن مكرهًا عليه، ومصدقًا من الجهات المختصة، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل اليوم في سبيل تطوير القضاء، إلاّ أن خط الدفاع الأول الذي يجب التركيز عليه واعتباره خطًّا أحمر يجب عدم الاقتراب منه؛ هو عدم السماح لكائنٍ من كان أن يمس سمعة القضاء، أو يُشوّه صورته.. ف"دور القضاء" هو المكان الذي يسعى إليه الناس لأخذ حقوقهم، وإنصافهم، وتحقيق العدالة فيما بينهم، وإن تسبَّب شخصٌ ما في مس سمعته، فسيقضي على آمال الناس، ويُشعرهم بعدم الاطمئنان. [email protected]