كالدِيمة الصحراوية يعود إلينا معرضُ الكتاب الدولي في الرياض، فنبْتَهجُ برشاشه، و»نُزَمْ زِمْ»، نقعهُ، ونشهدُ ربيعَه، ببراعم معرفة في غسقِ الدُجى، من الحُسنِ أنَّ تستمر طوال السنة، فلا تعاود الغِرْبَانُ تجريحنا، ولا نُضطر لأن نَكنِزَ الْأَسْفَار خَشْيَةَ أَشْهُرٍ عِجَاف. وَلِيْ حِكَايَة مع معرضِ الكتاب أود أن أسردَها لتبيانِ المُعاناة، التي تواجه بعض الكُتبِ. فروايتي (شلالات الشهوة)، كانت وما زالتْ ضَحِيَّةً لمُسمَّاها، الَّذِي تم الاتفاقُ عليه بيني وبين الناشرِ، ولكِنا لمْ نُقدِّر حِينها أنْ ذلك سيكون وبالاً عليها. ذلك الاسم، الذي جَعَلَ وزارة الإعلام تُعطِّلُ فسح الرواية داخلياً، رغم أنها قد نُشِرتْ في الدولِ العربيةِ مُنْذُ عامٍ ونِصف. وقد طافتْ معارض الكتاب بالعواصمِ العربيةِ، ولكنها كُمِّمَت في معرضِ الرياض، حين أُجبرَ الناشرُ على دفنِها تحت أدراجهِ، وإخفاء المُلصق الدعائي، الخاص بها، ولم يُسمَحْ لنا بتوقيعِ الروايةِ! وعلى مستوى النقد فقد أشاد بها عدد من النقادِ السعوديين، ولكنهم لم يتمكنوا من الكتابةِ عنها في صُحفِهم، التي ترفض نشر الاسم! ودعونا نبحث في المفهوم الكَوْنِيّ، والمفهوم السعُودي لتلك التسمية. فالشهواتِ مذكورة في كتابِ الله العزيز (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ). وهذا يعني أنَّ هذا المُسمى غير مُجَرَّم، ولا مُنكر، وليس مقصوراً على الجنسِ، بل إن الآية الكريمة قد فصَّلتْ أنواع الشهوات، وبدأتها بالنساء، نظراً للأهمية. أما المفهوم السعُودي فالشهوة هي الجنس، ولا يجوز التطرق لها بالمطلقِ إلا في برنامجٍ ديني! والرواية تصور مجتمعاً صحراوياً تحكمه تلك الشهوات بشتى أنواعها، بقراءة للصور، وتحفيز للفكرِ، ومحاولة لإظهار الخللِ ومعالجته. وعلى فرضِ أنها قد حوتْ بعض الشهوات الجنسية، فإني أستغربُ منعها من الصدورِ في المملكةِ، وقد جاءت في (584) صفحة، فهل نخشى على الصغارِ من قراءتها؟ صدقوني لو وُجِدَ من يقرأ منهم كتاباً بهذا الحجم، فإنه يُعَدُ عبقريُ زمانِه، وإن ذلك يدُل على رزانتهِ، ونبوغهِ، وليس على بحثهِ عن الرذيلة. فحبذا يا وزارة الإعلام أن يتم التبيُّن قبل المنعِ، وأن لا يستمرّ اضطِهاد الكتب، التي تخاطب العقول مهما اختلفنا معها، دعونا نفكر بشكل مختلف، متزن، متنوع، ونستوعب الجديد، ونمتلك الخيارات. الحجبُ لم يعُد مُجدياً مع ثورةِ الاتصالاتِ المنفتحة، ورواية مهما بلغتْ من السوءِ فلن تكون أسوأ من مقطعِ (فيديو)، قصير رخيص يختزل كل الرذائلِ، ويسكبها في جوفِ المشاهدِ، في دقائقٍ، ودون الحاجة للتخيُّل، ولا لمصارعةِ الكتابِ لأيام. كثير من كُتابنا يعانون، وهم يرون أنَّهم معروفون في الخارجِ أكثر من الداخلِ، فلا تنتشر أعمالهم إلا بفضيحة. وكلنا أمل في قراراتٍ شجاعةٍ جديدةٍ صائبةٍ، تسمح لنا بأن «نبثّ حديثاً كانَ قبلُ مكتَّماً»، وأن نغتسل بغيث مُزون المعرفة طِيلة العَام.