شرع الله تعالى الزواج لمقاصد شريفة ولغايات سامية من أهمها - اتباع الإنسان لأوامر دينه ونواهيه وصيانة عواطفه وشهواته من الزلل والانحراف، والزواج الوسيلة الوحيدة السليمة لبقاء النوع الإنسانى الذي يتحقق - بإذن الله تعالى- عن طريق الارتباط الشرعي بين الرجال والنساء، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}، اثنان من أصحاب الفضيلة يحدثوننا عن مقاصد وحكم الزواج وأثره على أفراد المجتمع، ويكشفان الأسباب التي أدت إلى عزوف الشباب عن الزواج، وتأخيره؟ الزواج الشرعي يقول فضيلة الدكتور أحمد السديس رئيس قسم القراءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: إن من آيات الله الكبرى أن خلق الزوجين الذكر والأنثى، ولقد اقتضت حكمة الخبير سبحانه بقاءَ النسل البشري لعمارة الكون بطاعة الله وعبادته بما شرع الله عزَّ وجلَّ ما ينظّم العلاقة بين الجنسين الذكر والأنثى، فجاءت شرعتُه في ذلك أحسنَ ما يكون على التمام والكمال، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } النساء82، وجعل الإسلامُ الزواجَ الشرعي من أسمى الآيات، وأبلغ العظات والدلالات. وجاء الزواج في الإسلام مقصداً من مقاصد الشريعة الملة الحنيفية، تسمو إليه نفوسُ الشرفاء، وتتطلع إليه هممُ الأتقياء، تقام بواسطته المجتمعاتُ الطاهرة، وتحصن به الفروج، وتدفع به الشهوات، التي تقود إلى دركات وزلات، ولذا كان من آيات الله، قال الله جلّ وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. وأبان السديس أن الزواج في الإسلام حوى فضائلَ الأعمال ومحاسنَها، يعرفُ به المسلمُ المتفكر فضلَ والديه، وحنانَ أبويه، وينعمُ بأولاده وإحسانِهم إليه، ولأجل ذا صار من سنن الأنبياء والمرسلين، قال الله جلَّ وعلا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}، وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) يسألون عن عبادته فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأينَ نحنُ من النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدُهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر فلا أفطر أبداً. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». وأهاب فضيلته بالشباب المبادرة في الزواج وعدم تأخيره، حيث إن تأخير الزواج لغير عذر شرعي ليس من الدين في شيء، بل هو نتاج أفكار منكوسة وضلالات تائهة، أثبتت تجاربُ الكثيرين فشَلَها، وذاق الناسُ مرارتها، وهل أحدٌ أنصحُ للأمة من رسولها ونبيها محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد قال (صلى الله عليه وسلم): «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أخرجه البخاري، وقال جلَّ وعلا: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. الحياة الزوجية وأكّد د. أحمد السديس أن السعادةَ في الحياة الزوجية مطلبُ كل أحد، وأن سوءَ عشرةِ أحدِ الزوجين لصاحبه قد يجعل الحياة جحيماً لا يُطاق، ويزرع بذور الشر والشقاق. والسعادة الحقة الدائمة لمبتغيها إنما هي في طاعة الله سبحانه، فما استجلب خير ولا دفع شر بمثل طاعة الله واتباع أمره، كما يفهم ذلك من دلالات الشريعة السمحة، قال الله جلَّ وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال أهل العلم: وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه. وقال جلّ وعلا في المعرضين عن ذكره وهديه: بتسليط الهموم وسوء الأحوال في الحال والمآل، وإن من إمارات التوفيق في الزواج ودلائله أن تكون أولُ مراحله على وفق ما يرضي الله جلّ وعلا، فأي توفيق يطلب، ومطلع فلاح يقصد من أمر استفتحت أيامه بمعصية الله، والتمرد على أمره جلّ في علاه، ولقد علم الناس جميعاً ما اشتملت عليه كثير من حفلات الأعراس من مخالفات شرعية، تستلزم الإصلاح والتقويم، والنظر المشفق القويم. وتلك مسؤولية كل فرد حسب طاقته، وقدر اجتهاده. الزواج نعمة يشير فضيلة إمام وخطيب جامع عبد الله بن عمر بحي العزيزية في مدينة عرعر بالحدود الشمالية الشيخ عواد بن سبتي العنزي إلى أن من أجل نعم الله جلّ وعلا على العباد نعمة (الزواج) الذي به يتحصل من المقاصد العليا لشريعة شيء عظيم، فقد شرع الله جلّ وعلا الزواج نعمة منه وفضلا، يحصل به إعفاف الزوجين، وتحصين الفرج، ويحصل به السكن والأنس، كما قال الله جلَّ وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ويحصل بهذه النعمة حفظ الأنساب من الاختلاط مع بقاء النسل البشري الذي جاءت الشريعة برعايته والحفاظ عليه، وأن من أعظم مقاصد الزواج في الإسلام: حصول الترابط بين القرابة وصلة الأرحام، فإن هذا من أعظم ما يتحقق بهذه النعمة العظيمة، ومن أعظم هذه المقاصد أيضاً: الحفاظ على الأخلاق العالية بهذه النعمة، والتمسك بالقيم ونشرها بين الناس، بالزواج يحارب الفساد الأخلاقي، والزنى ودواعيه، وغير ذلك من الأخلاق الرذيلة، ولهذا كان الزواج من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى لما أعرض أقوام عن ذلك ابتغاء العبادة والتمسك، قال: أما أنا فآكل اللحم، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، هذه النعمة العظيمة يجب على الناس صيانتها والحفاظ عليها، لأن النعم إذا لم تشكر فرت ولم تقر، وذهبت من أيدي الناس بسبب ظلمهم لأنفسهم.