مجرد التفكير بالمستقبل يمنح الإنسان إحساسا بالقوة والدافعية والطاقة، ويزداد هذا الإحساس إذا صاحبه تخيل لما يمكن أن يكون عليه حال كل واحد منا، فإذا كنت تفكر في مستقبل ناجح، وتخيلت هذا المستقبل وكأنه صورة أمامك، فإن مجرد هذا التفكير والتخيل سيمدك بقوة مذهلة لم تكن تتخيلها من قبل. ذكر لي أحد رجال الأعمال الناجحين -الذين التقيتهم مؤخرا- أن هناك كتابا يعود له الفضل بعد توفيق الله تعالى فيما حققه من نجاحات وإنجازات وثراء، وبعدها بفترة شاء الله أن نلتقي في مكتبه، وإذا به يخرج نسخة من بين عدة نسخ لهذا الكتاب مخبأة في أحد خزائن مكتبه، ويقول: «تفضل؛ فإني أعطي هذا الكتاب للذين أحبهم»، فاستلمت نسخة من كتاب «فكر تصبح غنيا» الذي يحتوي على استراتيجيات وخطوات النجاح كما يراها المؤلف، وبعد قراءته في سفري وما بعده بأيام، لاحظت أن من أهم هذه الخطوات الواردة في الكتاب هو المستقبل، وما فيه من تفكير وتصور وتخيل وتخطيط، وثم تدوين لهذا المستقبل. فالمؤلف يستطرد ويكرر موضوع التفكير والتخيل المستقبلي لما تريد أن يكون عليه وضعك المالي، وما ستحققه من نجاحات، وكتابة هذه النجاحات، ومعايشته بطرق شتى حتى يصبح المستقبل وكأنه واقع يعيش معك، وهنا يقودك إلى ما يتبعه من خطوات عملية وإرادة وتصميم «عقلك الباطن» إلى النجاح، وكما قال احدهم: «مفتاح النجاح أن تحدد هدفك، ثم تتصرف وكأنه من المستحيل أن تفشل، فسوف يتحقق».الحلم بالشيء أول خطوات تحقيقه، لذا فإن أهل الاختراعات والإبداعات كانوا يمتازون بالحلم والقدرة على التخيل، وأذكر أنه يفضل في تشكيلة فريق بحثي لأي دراسة مستقبلية أن يكون من بينهم من يمتازون بهذه القدرة التخيلية؛ فإنه حتما سيسهم بطريقة أفضل في بناء السيناريوهات ودواليب المستقبل حسب تقنيات دراسات المستقبل. إذا كان التفكير بالمستقبل، والتخطيط له وتصوره، من أكبر عوامل التغير والنجاح في الدنيا، كما أصبح علوما في علوم الإدارة وأخواتها، فإنه كذلك من عوامل النجاح في الآخرة وما بعد الموت، وتكون المصيبة عندما يعمل الإنسان بجد لنجاح دنيوي ويعمل بكسل أو لا يعمل لنجاح أخروي أبدي. إذا كان مجرد إعمال التفكير بالمستقبل له من الفوائد ما ذكرنا، فكيف بمن عرف هذا المستقبل وأصبح وكأنه واقعا ملموسا؟ فالقرآن والنصوص النبوية مليئة بالحديث عن المستقبل، بل إن الإنسان يستغرب هذا الكم الكبير من الآيات القرآنية عن الغيبيات وما بعد الموت، وهو ما يحتاج إلى دراسات إحصائية، فضلا عن أخرى تحليلية في المضمون والفكرة، وفي مجال تأثيره في النفس البشرية. إن هذا الإحساس والتفكير والشعور يشكل –أو ينبغي له أن يشكل- دافعا قويا إلى كل واحد منا للتغير وللثبات على الحق والعمل الصالح، وضابطا لأنفسنا من الشر والمعصية والغرور والشهوة وحب الدنيا والشهرة، وغيرها من أمراض النفس البشرية. وقد وجهنا القرآن الكريم للتفكير بالمستقبل لهذه الغايات، فانظر مثلا في الآية من سورة آل عمران، حين يبدأ جل وعلا بذكر شهوات الإنسان: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)، ثم يستخدم هذه القوة المستقبلية لما بعد الموت، ويذكر مقابل مغريات الدنيا ما يوجد من نعيم في المستقبل: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد). وإني لأحسب عمار بن ياسر وبلال بن رباح رضي الله عنهما قد تحملا ما لقياه من أذى وتعذيب من قريش؛ بسبب مقارنة ما يتعرضون له مع ما تخيلوه من عذاب آخر، فهان عليهما العذاب واشتاقا إلى النعيم. فلنطلق العنان والتخيل لمستقبلنا، ولنتدبر ما في الآيات القرآنية من مستقبل؛ ليمدنا ذلك بالقوة والعون والصبر والثبات والسعادة والهناء.