اختلاف الفتاوى بين العلماء لا يمكن له أن يكون دليلا على الفوضى ما دام اختلافا بين علماء متمكنين في الفتوى عارفين بأحكام الشرع، ذلك ما أكده عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي الحكمي في حديثه ل «عكاظ»، وذلك ما يؤكده اختلاف العلماء المسلمين عبر التاريخ، وهو الاختلاف الذي تولدت عنه الفرق المتعددة، وتولدت عنه المذاهب المتعددة داخل الفرقة الواحدة. ولم يكن ذلك الاختلاف والتعدد وليدا للفوضى ما دام مستندا لآراء علماء لا يشك أحد في علمهم ونزاهتهم، كما لم يكن ذلك الاختلاف والتعدد سببا في الفتنة، إلا حين كان بعض أصحاب الأهواء والمطامع يوظفونه لإثارة العامة وتمزيق شمل الأمة الواحدة والوطن الواحد، فينتهي الأمر إلى أن يكفر الناس بعضهم بعضا، ويستحل أصحاب كل فرقة دم من خالفهم من الفرق. اختلاف العلماء الذي هو في جوهره رحمة بالناس وفي أصله طرق متعددة يجتهد كل طريق منها أن يكون مفضيا للحقيقة موصلا للحق، هذا الاختلاف في حد ذاته لا يمكن له أن يكون وليدا للفوضى، غير أن الفوضى يمكن لها أن تكون قدرا محتوما حين يعمد بعض العلماء وأنصاف العلماء والذين ليس لديهم من العلم شيء إلى تخطئة بعضهم بعضا وتحذير أتباع كل مذهب غير مذهبهم من عاقبة ما يذهبون إليه وخطر اتباعهم لمن يتابعونهم، رغم علم هؤلاء المحذرين والمخطئين أن الناس الذين يحذرونهم وينذرونهم إنما يتبعون علماء هم أرسخ منهم علما ومعرفة بالشرع وأحكامه. الخطأ الذي يبلغ حد الخطيئة أن تجد شابا من الدعاة الجدد يتصدر المجالس، ثم لا يجد حرجا أن يؤكد أن الشافعي قد أخطأ، ومالك ليس على صواب، وأبو حنيفة انحرف عن الحق، وابن حنبل حاد عن الطريق الصحيح، وذلك لأنه يرى فيما ذهب إليه هذا الإمام أو ذاك ما يخالف المذهب الذي تم تلقينه له، فوقر في ذهنه أن هذا هو الشرع وكل ما خالفه خارج عن حدود الشرع وأحكامه. اختلاف فتاوى العلماء ليس فوضى كما قرر عضو هيئة كبار العلماء الدكتور الحكمي، غير أن الفوضى تكمن في استسهال تخطئة أصحاب الفتاوى المختلفة ومن يتبعهم ويتابعهم، وذلك هو ما ينبغي أن يتصدى له العلماء، وهو ما يفعله كثير منهم إلا أولئك الذين يسعون بصمتهم عما يرون ويسمعون إلى تكثير من يتابعون ما هم عليه من مذهب وما يرونه من رأي، فيقررون حق الاختلاف، ثم يسكتون عن أتباعهم الذين يعتبرون ذلك الاختلاف خروجا عن مقاصد الشرع وأحكامه.