للإجازات جانب مشرق، لكنه غير مفعل لدينا، فتعدد الإجازات القصيرة يساعد على تنمية السياحة البينية داخل الدولة الواحدة، كما أنها فرصة رائعة للقاءات العائلية ولم الشمل، وممارسة الهوايات الفردية لم نكد ننتهي من إجازة عيد الفطر المبارك، والتي تمتد من الأيام الأخيرة لشهر رمضان، حتى حلت إجازة اليوم الوطني، ثم خلال أسابيع قليلة استقبلنا إجازة عيد الأضحى، والتي حققت رقما قياسيا في طولها حيث بلغت 18 يوما متواصلة، طبعا بالنسبة لموظفي القطاع الحكومي، وطلبة وطالبات التعليم العام والعالي، وبحسبة سريعة نكون قد تمتعنا بواحد وثلاثين يوم عطلة عامة خلال أربعة أشهر فقط، دون احتساب إجازة نهاية الأسبوع والبالغة يومين لكل أسبوع واحد، مما يجعل أيام العطلة تتجاوز ثلاثين بالمئة من مجموع أيام العمل! وفي هذه الحالة تجاوزنا بمراحل كافة دول العالم، وعلى رأسها "كولومبيا" التي كانت تتربع على عرش أعلى معدل عطل عامة بثمانية عشر يوما سنويا، تليها مملكة "ماليزيا" بستة عشر يوما، ثم "سلوفاكيا" بخمسة عشر يوما فقط. يدور حاليا جدل مجتمعي حول تصاعد أيام الإجازات في المملكة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وخاصة في مدارس التعليم العام، التي أصبح من السهل فيها اتخاذ قرار تعطيل الدراسة، بناء على تغيرات الطقس والأجواء، من أمطار أو غبار، حيث أعطيت الصلاحية اتخاذ هذا القرار لمديري عموم المناطق التعليمة كل على حدة، فضلا عن الإجازة التقليدية لما بين الفصلين الدراسيين، والتي لحقت بها إجازة جديدة هي: "إجازة منتصف الفصل الدراسي"!، وللأسف أن كثيرا من الطلاب يضيف على هذه الإجازة العارضة يوما أو يومين قبلها أو بعدها، مما يجعل الأيام الأخيرة التي تسبق أي إجازة كانت بلا فائدة تذكر، الأمر الذي دفع سمو وزير التربية والتعليم إلى التصريح خلال زيارته لمدينة حائل في شهر فبراير الماضي، إلى أن أيام العطل التي تمر على الطلاب خلال العام الدراسي الواحد كثيرة وغير مقنعة، وأضاف أن الوزارة شكلت فريق عمل خاصا لحل هذا الإشكال الذي يعاني منه الطلاب وأولياء أمورهم في أسرع وقت، وها قد مر أكثر من ثمانية أشهر على تصريح سموه دونما ظهور أية بوادر حل لهذه المشكلة، التي يؤكد عدد من التربويين أثرها السلبي على تحصيل الطلاب للمحتوى العلمي والتربوي، بسبب فقدان التركيز، وتذبذب سلاسة الفصل الدراسي الواحد. من جانب آخر يتمتع الموظف الحكومي في المملكة بستة وثلاثين يوما مدفوعة الثمن، بالإضافة إلى خمسة أيام إجازة اضطرارية، ليكون المجموع 41 يوما في السنة الواحدة، مما يجعله من أطول المعدلات عالميا، بالإضافة إلى كونها أكثر بكثير مما يتمتع به موظف القطاع الخاص بالمملكة، وهذا الوضع يلقي بكثير من الأسئلة حول مدى إنتاجية موظف القطاع الحكومي، وكذلك صعوبة تنسيق حصول الموظفين على أيام إجازاتهم الكثيرة، مما يضغط بلا شك على سلاسة العمل وكفاءته، ويؤثر على سرعة ومدة إنجاز معاملات الأفراد والشركات، وبالتالي على الناتج الوطني للمملكة، فضلا عن أثره السلبي الواضح على دعم برامج السعودة في القطاع الخاص، بسبب الفجوة الكبيرة بين ما يحصل عليه الموظف الحكومي من إجازات عامة ورسمية، وما يحصل عليه موظف القطاع الخاص في الجانب المقابل. طبعا للإجازات جانب مشرق، لكنه غير مفعل لدينا، فتعدد الإجازات القصيرة يساعد على تنمية السياحة البينية داخل الدولة الواحدة، كما أنها فرصة رائعة للقاءات العائلية ولم الشمل، وممارسة الهوايات الفردية، وكسر الروتين، وتنمية المهارات، والانتهاء من الأعمال المنزلية المعلقة، دون إغفال الأهم، وهو: الاسترخاء ونيل قسط من الراحة، استعدادا للعودة مرة أخرى إلى دوامة العمل، بعد الحصول على ما يطلق عليه بشحذ المنشار، أما أن تتحول كل إجازة مهما كانت طويلة أو قصيرة؛ إلى موسم سفر إلى الخارج فقط، فتلك ظاهرة تستحق التوقف، ومحاولة فهم جذورها الأساسية، نظرا لأن الإجازات الموسمية تعتبر فرصة حقيقة للحركة الاقتصادية، وتنشيط دورة الاقتصاد الوطني، بواسطة السفر والسياحة وزيارة المطاعم وغير ذلك، والتي يفترض أن تقتنص السياحة المحلية معظم "كعكتها"، وليس كما يحدث حاليا، حيث يتفوق الإنفاق الخارجي على الداخلي بمراحل عديدة، فعلى سبيل المثال يقدر مختصو قطاع السياحة حجم إنفاق السياح السعوديين خلال فترة إجازة الحج وعيد الأضحى الحالية والتي تزيد على أسبوعين بستة مليارات ريال سعودي! ولك أن تتصور صرف هذا المبلغ في المناطق السياحية بالمملكة، لكن ذلك غير متوقع حاليا، بسبب تدني الإمكانات السياحية في المملكة، وتقليدية المهرجانات الترويجية، وطبعا السبب الرئيس هو غياب صناعة السياحة في أغلب المناطق، وخصوصا الطرفية منها. نعم لقد حققنا المركز العالمي الأول في مجموع أيام الإجازات السنوية، لكن هذا لم ينعكس إيجابا على السياحة الداخلية، أو على دورة اقتصادنا الوطني، لذا يجب إعادة النظر في أسلوب تعاملنا وقضائنا للإجازات العامة، أو على الأقل توزيعها على مدار العام الواحد، والعمل على إطلاق مبادرات وطنية تساعد على الاستفادة بشكل أكثر كفاءة من أيام العطل، وجعلها فرصة نحو نشاط أوسع وإنتاج أكبر.