مع مطلع العام الدراسي الحالي حظرت إيران قبول الطالبات في ثلاثة وسبعين تخصصاً دراسياً في جامعاتها الست والثلاثين الحكومية. وهنا أكتب عن هذه القصة الإيرانية المحضة، لأنها ستكون في قادم الأيام إلهاماً لكثير من بيننا الذين يعشقون استلاف النماذج من هنا أو هناك لتبرير أطروحاتهم بين الحين والآخر. وما أذهلني بالفعل وأنا أتابع نقاشاً حول القرار الإيراني على شاشة الجزيرة ما قبل البارحة أن مستشار وزارة التعليم العالي الإيراني قال في الجملة الأولى له عند بدء الحوار ما نصه: (إن القرار يستهدف إعادة التوازن إلى بنية المجتمع، لأن نسبة الإناث إلى الذكور في الجامعات أصبحت سبعين مقابل ثلاثين بالمئة، وهذا ما خلق في المجتمع نسبة عنوسة هائلة نظراً لإحجام الشباب عن الزواج من فتيات يحملن شهادات جامعية، بينما هم يكتفون بالبكالوريا الثانوية). وبكل تأكيد، يتداخل في تبريره المعامل العلمي مع الاجتماعي، فمستشار الوزير يريد عائلة إيرانية تكتفي بشهادات محو الأمية، وغداً، إذا كان هذا هو المبرر الأول على لسانه فسيحظرون دراسة الثانوية على المرأة لأنها تشكل فيها نسبة 60%، كي تكون على مسافة عقلية من الزوج الذي اكتفى بالشهادة المتوسطة. السؤال: كيف يبدأ الكيان السياسي أو الدولة أياً كانت مشوارها لأن تكون تحت مصطلح (الدولة الفاشلة)؟ حين تبدأ الدولة أو الكيان السياسي تدخلاتها في بنية التعليم، وحين يظن أباطرة السلطة أن تجهيل الشعب هو الوقود الذكي للسيطرة عليه، لأن التعليم النوعي الفعال هو، على النقيض، وسيلة لأن تطالب الأمم بحقوقها من السلطة. هؤلاء لا يعلمون، وبالبراهين، أن الأفراد يكونون أكثر انتماءً وولاءً لأوطانهم على مقدار إحساسهم ماذا قدمت لهم هذه الأوطان. مؤشر الأفراد بالولاء والانتماء يعتمد على ما أخذوه من أوطانهم في التعليم أولاً، ومن بعده الاقتصاد. وخذ على سبيل المثال براهين الربيع العربي كلها في المجمل ثورات ضد جمهوريات التجهيل وإفقار الشعوب. ثورة ضد (تهزيل) العقل وإفلاس الجيوب. بعد ثلاثين عاماً من الثورة، اكتشفت إيران أنها هبطت بطبقتها الوسطى من 70% إلى 30%. انتبهت لهذه الأرقام تحت الضغط الشعبي فوجدت أنها (حية) في نسبة المرأة إلى الرجل في الجامعة. فقررت تجهيل الجميع سواسية حتى تتساوى نسبة الجهل مع الفقر.