أخبرتني زوجة أخي كيف أن ابنها الشاب الذي يدرس القانون في جامعة الملك سعود، أصابته الدهشة حين عرف من خلال كتاب (شرح عمدة الفقه) لابن قدامة الذي يدرس للطلاب كأحد المراجع الفقهية في الأحكام الشرعية، أن من حق الزوج ضرب زوجته متى لم تطعه أو خرجت من البيت دون إذنه! وربما كانت دهشة الشاب الصغير لكونه نشأ في بيت لا يعرف سكانه الضرب ولا يدخل في أساليبهم التربوية، وفتح عينيه داخل أسرة يحترم فيها الزوج زوجته فلا يعدها أقل منه حكمة أو أدنى في الثقة ولذلك فإن لها أن تخرج متى شاءت إلى أي مكان تشاء من غير حاجة لإذن من أحد، فالمتوقع ممن عهد إليها بمسؤولية إدارة الأسرة والإسهام في التنمية الاجتماعية وتعليم الأجيال من ناشئة هذا المجتمع، يتوقع أنها تملك عقلا وإدراكا سليمين فلا يصح أن تعامل معاملة المعاق ذهنيا الذي يعجزه التمييز بين الخير والشر. تدريس الشباب أن لهم الحق في ضرب الزوجات متى عصينهم انطلاقا من قوله تعالى: «واللاتي تخافون نشوزهن...» يغذي عقول الشباب بمشروعية استخدام العنف في حل خلافاتهم مع الزوجات. وضرب الزوجة هو وإن كان أمرا مذكورا في نص القرآن لا ينكره مؤمن، إلا أنه ليس فرضا ملزما لأحد، بل ولا هو أمر مندوب إليه يرجى نيل الأجر بفعله، فضلا عن أن معنى (النشوز) الذي تضرب الزوجة بسببه مبهم اختلف الفقهاء حول تحديد المراد به، كما أن شروط العمل بالآية التي تلقى على أسماع الطلاب هي غالبا مما ينسونه ولا يبقى في ذاكرتهم سوى فعل الضرب وحده!! حين يلقن الشباب أن للرجل حق تأديب زوجته بضربها يستسهلون الضرب خاصة من كان منهم ناشئا في بيت يمارس فيه الضرب كوسيلة تأديبية مقبولة. وعند الزواج يتوقع الشباب أن يجدوا الزوجات مسلمات لهم بتلك الحقوق، إلا أنهم غالبا يفاجأون بإباء المرأة أن تضرب وأن تهان وأن تسحب منها الإرادة فلا يكون لرغباتها سوى المكانة الثانية، وفي كثير من الأحيان يساند الآباء بناتهم في موقفهن الرافض هذا لأنهم يرونه متفقا مع الأسلوب الكريم الذي نشأوا بناتهم عليه، والنتيجة هي وقوع الخلافات بين الزوجين وتصاعدها لتبلغ مرتبة الطلاق. مثل هذا التعليم يسهم في عرقلة الوصول إلى معالجة ناجحة لمشكلاتنا الاجتماعية، فنحن مواجهون بمشكلتين كبريين هما مشكلتا الطلاق والعنف الأسري ولعلهما مرتبطتان ببعضهما. ومعالجتهما ترتبط بقوة بتعديل سلوك الفرد سواء من حيث معرفة حدود تصرفاته وحقوق الآخرين، أو من حيث تعلم الأساليب الجيدة في التفاوض وحل المشكلات، وكان المتوقع أن تبتعد المؤسسات التربوية عن تلقين الطلاب ما يغرس في أذهانهم أن لأحد الحق في ضرب الآخر متى لم يطعه ويخضع لأوامره، سواء كان والدا أو زوجا أو معلما أو مخدوما، فترسيخ إمكانية اللجوء إلى العنف لإخضاع الآخر، تتعارض كليا مع الدعوة القائمة للقضاء على العنف سواء داخل الأسرة أو خارجها.