عناية وزارة العدل بتدوين الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الشرعية، وترجمة تلك العناية كمشروع يتمثل في إصدار تلك الأحكام التي يتم تدوينها في أجزاء بلغت ثلاثة حتى الآن، أمر من شأنه أن يعد خطوة أساسية وتأسيسية للعمل على تقنين الأحكام القضائية خاصة أحكام التعزير والتي تخضع لرؤية القاضي للقضية المعروضة عليه ودراستها من مختلف النواحي ثم الاجتهاد في إصدار الحكم الذي يراه مناسبا لها. وإذا ما علمنا أن وزارة العدل تعمل الآن على إصدار الجزء الرابع من مدونة الأحكام القضائية التي صدرت في قضايا أحوال شخصية وأخرى جنائية وثالثة حقوقية أدركنا أننا أمام مشروع ضخم لا يستهدف أرشفة تلك الأحكام بقدر ما يهدف إلى تشييد دليل إرشادي يمكن له أن يكون معينا للقضاة عند النظر في قضايا مشابهة لتلك التي تم تدوينها وهو أمر من شأنه أن يقرب بين تلك الأحكام ويقلص مساحة الاختلاف بينها ويجنب القضاة أن يبلغ بهم الاجتهاد إصدار أحكام غريبة أو شاذة يمكن لها أن تثير البلبلة وتفضي إلى النيل من مكانة القضاة ونزاهة أحكامهم. إن إصدار تلك المدونة يقتضي أمرين لا تكتمل الغاية من وراء إصدارها دون الأخذ بهما معا، ويتمثل الأمران فيما يلي: أولا: اعتماد تلك المدونة دليلا إرشاديا يتم إلزام القضاة بالإطلاع عليه والإفادة منه إفادة تتمثل في قياس ما يصدرون من أحكام على ما ورد فيها من أحكام في قضايا مماثلة وأن يكون ذلك الدليل الإرشادي المتمثل في المدونة مرجعا قضائيا عند تمييز ما يصدر من أحكام نقضا لها أو تثبيتا. ثانيا: إخضاع تلك المدونة للدراسة من قبل هيئات قضائية متخصصة بغية استخراج ما يمكن أن يكون أحكاما قضائية مربوطة بعللها تشكل في مجملها قوانين واضحة يستند إليها الادعاء في مطالباتهم والمحامون في دفوعاتهم والقضاة في أحكامهم وتكون تتويجا لمشروع تطوير أجهزة القضاء لدينا.