اعتبر قضاة ومحامون أن تسبيب الأحكام الأداة التي تثبت عدالة القضاء، وتكشف عن القواعد المطبقة، وتبين للمحكوم ضده وجه الحقيقة التي انتهى إليها القضاء وتبين مدى قيام القضاة بما يجب عليهم من دراسة وتدقيق وتمحيص للدعوى. وبينوا أن التسبيب يمكن المحكوم ضده من الاعتراض على الحكم، وتجعل رقابة المحكمة الأعلى أكثر فاعلية، كما تكون لأسباب الحكم فائدة تتجاوز نطاق العملية القضائية عند اكتسابه القطعية، فتساهم في النمو المعرفي وتزود المؤسسات الأكاديمية وأهل الاختصاص بتطبيقات قضائية للمسائل والنظريات الفقهية، لافتين إلى أن من شأن التسبيب إثراء البحوث والدراسات الفقهية والقضائية، ما يسهل على الأشخاص معرفة المبادئ القضائية ومراعاتها حال القيام بأعمالهم وتصرفاتهم، كما يقدم للرأي العام تصورا عن مستوى العدالة، والضمانات التي يتمتع بها الفرد أمام القضاء. عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن خنين أوضح أن للتسبيب فوائد منها بيانه لحدود أثر القرار والإعانة على تفسيره عند الاقتضاء، مبينا أن القرار المبني على البينة يختلف عن القرار المبني على الإقرار من حيث الآثار. وأضاف: إن «التسبيب يجعل القرار أطيب لنفس المتهم ليعلم أن المحقق قد فهم حجته وأنه إنما أصدر القرار بعد الفهم عنه، إضافة إلى أن القلوب أقرب إلى قبول الأحكام الجارية على ذوق المصالح والمسارعة إلى التصديق بها وقبولها والطمأنينة إليها من الأحكام الجارية على قهر التحكم»، وأشار إلى أن من فوائد التسبيب دفع الريبة عن المحقق وتهمة الميل إلى أحد الأطراف أو التشكي من جوره وظلمه بزعم القائل، كما أنه يحمل المحقق على الاجتهاد وبذل الوسع في تقريره ويمنع عنه توثب المتوثبين وقالة السوء من القائلين بأن ماصدر منه كان عن جهل». وزاد: إن «التسبيب يمكن الدائرة المختصة مدققة القرار من دراسة القرار حفظا أو اتهاما وتدقيقا، فيسهل عليها أداء مهمتها في مراجعته وإلغائه أو طلب استكماله، فضلا عن تمكين المحكمة المختصة من تقدير الاستعانة بالقرار أو الإعراض عنه وتمكين المجني عليه والمدعي بالحق الخاص من الطعن في قرار حفظ التحقيق وما بني عليه عند عدم القناعة به». وشدد على أن يكون التسبيب منضبطا بضوابط منها؛ اعتماد المحقق على الوقائع والأدلة المقدمة للمحقق والمدونة في المحضر أو المرفقة بإضبارة القضية، أن يكون التسبيب كافيا ومتسقا ومتسلسلا وواقعيا متوازيا والعناية بصياغة الأسباب، كما أنه إذا أخل المحقق بالتسبيب فلم يسبب قراره أو كان التسبيب معيبا أو ناقصا وجب رده لاستكمال نقصه إن أمكن وإلا ألغي القرار وأحيلت القضية إلى محقق آخر. العمود الفقري أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عمر الخولي أوضح أن التسبيب هو العمود الفقري لأي حكم قضائي ويسهم في التعريف بما توصل إليه القاضي وكيفيته، مشيرا إلى أن خلو الحكم من التسبيب يجعله قاصرا لايمكن التعامل معه عند عدم اقتناع أحد الطرفين به؛ لأن الاستئناف يحتاج إلى معرفة الأسباب. وبين أن المصلحة في تسبيب الحكم تتعدى إلى كل من يتعامل مع الحكم أو يقوم بدراسته أو أي أغراض تعليمية أخرى. وأوضح أن الأحكام الصادرة عن المحاكم العامة تأتي دون تسبيب أو تسبيب مقتضب جدا على خلاف الأحكام الصادرة عن ديوان المظالم التي يمكن أن يعرف من خلالها من يتعامل مع الحكم كيف توصلت الدائرة الجزائية إلى هذه القناعة. ورأى الخولي أن التسبيب مناسب لاسترشاد القضاة في وقت مقبل عبر تدوين الأحكام أو تقنينها التي تعد في الأساس عبارة عن إعادة وإرجاع الأمور لأصولها سواء كانت قاعدة شرعية أو نصا قانونيا أو غير ذلك. وأكد قوله: إن التسبيب يمثل عاملا مساعدا على تقنين الأحكام ومنها إلى دراسة الأحكام الصادرة سابقا، وصولا إلى تنمية الوعي العام لدى الدارسين في المجال الشرعي والقانوني على صياغة الأحكام التي تعكس مدى تقدم القضاء. أما رئيس لجنة المحامين في أبها فرأى أن ما يميز القضاء الإداري عن القضاء العام هو تسبيب الأحكام، مشيرا إلى أن هناك فوارق كبرى بين القضاءين الإداري والعام. وأوضح أن القضاء الإداري يقسم الحكم منذ إنشائه إلى ثلاثة أقسام هي الوقائع وما يثيره المدعي والمدعى عليه من دفوع وغيرها، ثم الأسباب التي بني عليها الحكم، وأخيرا منطوق الحكم. وبين أن الحكم مربوط بالتسبيب الذي يذكر الدفوع والرد عليها ويؤصل لما ذهب إليه القاضي في حكمه، مشيرا إلى أن القارئ يستسيغ منطوق الحكم إذا احتوى على التسبيب، بينما القضاء العام لايعمل بهذه القواعد ويخلط بينها ولا يفصلها عن بعضها، كما أنه يكتفي بتسبيب القاضي فقط، بعكس القضاء الإداري الذي يعتبر تسبيب القاضي جزءا من التسبيب المطلوب. وقال: إن القضاء الإداري يعتبر سباقا في إنشاء المدونات القضائية التي تعد واجهة حضارية للقضاء السعودي، مشيرا إلى أنه منذ زمن طويل وديوان المظالم يصدر أكثر من مدونة يذكر فيها الكثير من المبادئ القضائية المقررة، وتعتبر هذه المدونات مرجعا للقضاة الحاليين في أحكامهم. وبين أن القضاء العام لم يصدر أية مدونة إلا بعد عام 1425 ه وهي تعج بالاختصارات والركاكة وينقصها الإخراج الجيد والتسبيب، مضيفا: «لذلك يشعر القارئ للمدونات القضائية الصادرة من ديوان المظالم أن تلك الأحكام مادة دسمة مليئة بالوقائع والتسبيب والردود على الدفوع. وشدد على أن تقنين الأحكام القضائية عامل مساعد في قوة التسبيب ودقته «لو رجعنا لقوة التسبيب في الأحكام القضائية الإدارية والضعف في الأحكام الصادرة من القضاء العام لوجدنا أن الفرق يكمن في عامل التسبيب، فأحكام ديوان المظالم قائمة على أحكام مقننة بينما أحكام القضاء العام قائمة على اجتهاد شخصي أو فقهي». إقناع الخصوم رئيس الجمعية العلمية القضائية السعودية الدكتور عبدالرحمن المزيني قال: إن التسبيب يمثل عنصرا مهما في إقناع الخصوم والرأي العام، وأضاف "لاشك أن الأحكام بأسبابها تمثل ثروة قضائية يستفيد منها القضاة اللاحقون من السابقين ويسهل عملية الحكم مستقبلا». وبين أن ذلك يدعو إلى ضرورة إنشاء المدونات، مهيبا بوزارة العدل أن تتبنى هذا المشروع مستقبلا. بيان للنشاط ونفى القاضي الدكتور عبد اللطيف القرني أن يكون التسبيب إجراء شكليا يقوم به القاضي، قائلا: «هو بيان للنشاط الإجرائي الذي حمل القاضي إلى الحكم الذي انتهى إليه. فهو واجب إجرائي يلتزم به ناظر القضية، وذلك ببيان اقتناعه الموضوعي فيما يتصل بفهمه للواقع والأدلة وبيان أسباب رده على الطلبات المهمة والدفوع الجوهرية التي تقدم إليه، حتى يتمكن الخصوم وتتمكن محاكم الاستئناف من فرض رقابتها على ما انتهى إليه الحكم». ورأى أن الالتزام بالتسبيب وفقا لمفهومه يتطلب من القاضي أن يتأنى ويتثبت في فحصه لوقائع الدعوى حتى يتهيأ له وجه الصواب فيها فلا يتعجل القاضي في الحكم إذا لم يتبين له الأمر بل عليه أن يتفكر فيه حتى يستدرك وجه الحق بالتأمل والمشورة فيبني حكمه على الجزم واليقين لا على الشك أو الظن والاحتمال. وبين أن رقابة محاكم الاستئناف على التسبيب تعد رقابة على مضمون الاقتناع الموضوعي, وهي في الوقت ذاته أيضا رقابة على منهجه في الاقتناع الذي انتهى به إلى الحكم الذي أصدره. «من خلال ما سبق يمكن الطعن في أي حكم متى ما كان يفقد مقوماته المعتبرة، فكيف إذا كان منعدم الأسباب». سنية التسبيب القاضي الدكتور ناصر آل داوود أوضح أن من قال بسنية التسبيب، لعله يريد الأحكام الظاهرة التي لا يخفى علمها على ذوي الفطر السليمة؛ كمن ادعى على أحد بدين في ذمته وجب أداؤه وأقر المدعى عليه بالدين وحلوله وملاءته فاقتصر الحاكم على الحكم عليه بلزوم السداد، دون تسبيب للحكم؛ اكتفاء بما جاء في الدعوى والجواب. وأضاف: «أما الغالبية العظمى من الأحكام فلابد من الاهتمام بذكر الأسباب التي بنى عليها القاضي حكمه، وإلا كان مفرطا في واجب قد يأتي على الحكم بالإبطال، أو بوقف التنفيذ أو بتعطيله زمنا، ولا قيمة لحكم لا نفاذ له».