فاصلة: « من يقلِّد الشر يتجاوز دائماً النموذج ومن يقلِّد الخير يظلُّ دائماً دون المثال « - حكمة إيطالية - لدينا إشكالية في التعامل مع تقليد الشخصيات العامة، حيث يتحوّل إعجابنا بها إلى شعور ساخط على الممثل الذي يمثل مظاهر الشخصية ويقلِّد الصوت أو الأسلوب في الحديث. ربما يكون هذا جزءاً من ثقافتنا التي تميل إلى تقدير المثالية، فحين نعجب بشخصية عامة، فنحن نضعها في قالب مثالي ونتوقع أنها منزّهة عن المساس بها وفي تقديري هذا خطأ، ورأيي هذا لا يعني عدم احترام الشخصيات العامة، لكنني مع عدم وضعها في قالب أقرب إلى التقديس، ومع فصل الإبداع عن الشخصية. إذْ مهما تكن الشخصية العامة متفوّقة سواء كان ذلك في الفن أو السياسة أو أي حقل، فهي ليست مقدّسة وليس هناك علاقة بين نجاح الشخصية وخبرتها وأن تكون مادة لمشهد كوميدي. أحياناً لا ينجح الممثل في تقليد الشخصية، ويتوقف ذلك على مهارته وتمكّنه من أدواته، وهنا يمكن أن يستفز المشاهد خاصة المعجب بتلك الشخصية، وهنا يعبِّر المشاهد عن شعوره بالسّخط على العمل الفني والانتقال من دور المشاهد إلى دور الحكم. في رأيي أنّ برنامج «واي فاي» - دون أن أتورّط بتقييمه لأني لا أمتلك أدوات النقد الفنية - تحسب له حسنة تقليده لعدد من الشخصيات العامة السعودية في محاولة لكسر تقديسنا للشخصيات العامة وتاريخها، وهذه نقطة مهمة تُحسب لتأثير الفن في حياتنا. بالإضافة إلى أنّ هذا البرنامج جاء بعد تربّع مسلسل طاش ما طاش على عرش النجومية سنوات طويلة ناقش فيها القضايا الاجتماعية في قالب كوميدي، فإن توقف يجب ألا تخلو الساحة الفنية من أعمال فنية كوميدية. أيضاً البرنامج هو محاولة لتغيير الصورة النمطية عن جمود الشخصية السعودية وعدم وجود الحس الفكاهي في تفاصيلها اليومية، مع أنّ السعوديين مؤخراً في رأيي تغلّبوا على الشعب المصري في السخرية وإشاعة روح النكتة التي تكشف عن ملامح شخصية فيها الكثير من الثراء الذي يمكن أن يعطي صورة عن المجتمع وتأثيره على الشخصية. حسّنا الفكاهي والنكات التي يتم تداولها حول حياتنا وعلاقاتنا الإنسانية، والتي كشفت عنها وسائل التواصل الاجتماعية، تلمح إلى أبعد من الضحك والنكتة، فحين يسخر الإنسان حتى من نفسه يكون وصل إلى أقصى مراحل التراجيديا. فإذا نجح برنامج «واي فاي» في إضحاكنا ولو لمرة، فهذا يعني أنه استطاع أن يخاطب عقلنا، فلكي تضحك لا بد أن تفهم، أمّا البكاء فيكفي أن تثار مشاعرك لتبكي. تمنياتي للزميل «خلف الحربي» وورشة عمل الكتابة السعودية من الزملاء الذين أعدّوا الحلقات بالاستمرارية، فالغيث ليس دائماً أوله قطرة.