لم أترك مناسبة دون أن ابين فيها رأيي في ثلاث وظائف: الراقي والداعية ومفسر الأحلام. وانتهي إلى القول بكل وضوح واستقامة أن واجبنا الأخلاقي والديني يطلب منا العمل على إغلاقها وإنهاء مفهومها. لا أعرف في الدين الإسلامي أي شيء اسمه داعية في أوساط المسلمين ولا أعرف في تاريخ الإسلام أن ظهرت وظيفة اسمها راق ولم تنفك وظيفة مفسر الأحلام عن الخرافة أبدا. سبق أن كتبت ومازلت اؤكد أن الداعية مهندس. أحد أسباب تفوق الحضارة الغربية ظهور وظيفة المهندس. جسرت هذه الوظيفة بين العالم في مختبره والفلاح في حقله أو الصانع في مصنعه. يترجم المهندس النظرية العلمية إلى آلة أو أداة أو محرك يستفيد منها البشر في حياتهم. الداعية عمل نفس الدور الهندسي مع منظري الإرهاب والخرافة في العالم الإسلامي. قام على سبيل المثال بتحويل نظرية سيد قطب الإرهابية إلى برامج عمل. عمل على تحويل خرافات عبدالله عزام إلى محركات للقتل والتفجير. بسط ونشر فتاوى التكفير بين صغار السن وحببهم فيها وفي مطلقيها وكرههم للحضارة الإنسانية بتعميم مصطلح التغريب الزائف. قم بتحليل شخصية أقرب داعية في ذاكرتك. ستجده يمتلك خاصيتين. ضيق المعرفة والبساطة في التفكير. التصاقه بالجهل يساعده على الجرأة في القول. ليحمي نفسه من الافتضاح يلتزم دائما جانب التطرف من أي فتوى. يعبر دائما عن المفهوم العامي للدين. لا يمكن أن تعرف حجمه العلمي. أمام العوام( على الشاشة أو في محاضراته) يتحدث بوصفه فقيهاً ثم فجأة تراه يتحدث عن (علمائنا الأفاضل) لأنه في داخله يعرف أنه ليس من هذه الفئة ولا حتى قريبا من أسوارها. كارثة هذه الوظيفة أنها تشي بأنها دينية وهي ليست كذلك. تشي بأن صاحبها متعلم وهو ليس كذلك وفي الأخير تكرّس العامية والتبعية وتهيج وتقود إلى الصراعات و تحوّل التاريخ إلى أساطير. يصبح صلاح الدين الأيوبي أقرب إلى عنتر والزير سالم من الحقيقة التاريخية. وظيفة تقوم على الصوت حتى الكتب التي يصدرها هؤلاء لابد أن يكون إخراجها زاعقا: ورقها مصقول ولامع وحروفها كبيرة ومزخرفة بألوان لا تختلف عن الكتب الموجهة للأطفال دون العاشرة. كتبت كثيرا عن وظيفة الراقي. استفحلت هذه الوظيفة.أصبحت خطرا يهدد سلامة الوعي والعقيدة وصحة الناس. الخطورة ليست في الرقاة فالناس تتحمل مسؤولية افعالها ولكن في الثوب الديني المخاتل الذي ألبس كلمة راق. أصبحنا نسمع كلمة( راق شرعي) يعني أن هناك راقي يملك الشرعية ويقوم على الدين الصحيح وراقي غير ذلك. كأن هناك جامعة للرقاة خريجوها يأخذون لقباً (شرعياً). من يشرعن من؟ القرآن ليس للبيع أو الشراء وليس هناك خبراء علاج قرآن. كل حرف في القرآن الكريم هو كلام الله. لايوجد فيه تراتبية ولا توجد تقسيمات علاجية. كل من يستطيع قراءة القرآن هو راق.وكل من يتكسب من القرآن هو آثم. كل شيء مقري عليه(عسل ماء دهان إلخ) هو أكل حلال الناس بالباطل. لا تختلف وظيفة مفسر الأحلام عن وظيفة الراقي. ظهرت هذه الوظيفة فجأة واستفحلت. تكاد تنافس وظيفة الراقي. تتغلغل في المجتمع بنفس الادعاءات الدينية. لم يعد هذا الرأي وجهة نظر علمية تحتاج إلى عقل علمي يقبلها. اوضح سماحة المفتي الرأي الديني المتفق مع العلم.