«إنّ هناك فئة من هؤلاء الرقاة ومفسري الأحلام لا همّ لهم سوى فتنة الناس، فالإنسان لا يخرج منهم إلا بزيادة همّ وغمّ، لأنهم يوهمونه بأنه مصاب بالسحر والعين، وأنه لا بدّ أن يواصل معهم مدة تصل لستة شهور لكي يبتزّ منه مالاً كثيراً»!! هذا جزء من مضمون خطبة الجمعة الماضية لفضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة، وحين يأتي هذا التحذير من شخصية بوزنه وأهميته، فإن القضية تعدت غاياتها المتعارف عليها إلى الخروج عن القواعد الطبية العلمية وغير العلمية، ولعل التلاعب بعقول الناس نتيجة ضعفهم أمام المرض وتمسكهم بأيّ أمل ينقذهم، وضعف الوازع الديني والجهل بنوايا المستغلين من بائعي الأوهام، جعل الإقبال عليهم كبيراً، ومثلهم متعاطي طب الأعشاب ممن تسببوا بتسمم الدماء والفشل الكلوي، حتى أن الوصفة الشهيرة للمصاب بمرض جلدي ودهن جسمه بزيت (الفرامل) والذي أدى إلى وفاته، أو تنظيف الأسنان بالمنظف «كلوركس» الذي تسبب بمرض سرطان مزمن بالفم، هي علامات خطيرة لم تجد من يحاسب المتسبب وأخذ الحق للمتضرر.. حادثة أخرى أشبه بالأساطير عندما أقدم شباب على اقتحام مستشفى مهجور بعرقة، وتكررت في أماكن أخرى للبحث عن الجن، ولا تؤخذ كمغامرة لشباب طائش وإنما نتيجة انغلاق عقلي وفكري، وإشاعة ثقافة الخرافة، وما يجب فصله بين الديني واللامعقول، وقد أشيع قبل سنوات عن الإنسان الذي تحول إلى حيوان، والبيت المهجور الذي تخرج منه أصوات مجهولة يخشى أيّ إنسان الدخول إليه، وكان دلال عقار وراء نشر الإشاعة والابتعاد عنه، ليفاجأ أصحاب المنزل ومن شملتهم الدعاية، بشراء الدلال المنزل نفسه وسكناه مدعياً أنه طرد الجن بواسطة قارئ للقرآن الكريم، وهي حيلة اختارها رجل ذكي للحصول على منزل بأرخص الأثمان!! أستمع أحياناً لمناظرات مفسري الأحلام، أحدهم روت له امرأة رؤيا أعطاها اليقين أنّ خاطباً سوف يتقدم لها قريباً، وهي أمّ لثلاثة أطفال ومتزوجة من رجل يعيش معها، وآخر في عقد الستين بشّره الراقي بوظيفة، وهو متقاعد، وثالثة ورابعة، حتى أننا نضحك عندما نتذكر مسرحيات حسين عبدالرضا عن وصفاته بديك أحول، أو غيره من قتل قط أسود للشفاء من السحر، وكأننا نعود إلى كتاب عودة الشيخ إلى صباه، ومعجزات ما يفعله شحم ودم ومخ «الصقنقور»!! صحيح أن هذه الحكايات والأدوية، ومخاطبة الجن والسحر والعين لها رواد من معظم دول العالم بما فيها رؤية الأشباح التي اشتهرت بها لندن بقصورها المهجورة، لكن أن تصل إلى استغلال تكون ضحاياه من المواطنين، فالمسألة هنا تتعدى على المبادئ الشرعية، لأن من يتسبب بالموت كمن يقتل، ومثل هذا الإشكال لا بدّ من معالجته بقوة الدولة وأجهزتها سواء كانت الشرعية أو الأمنية، أو الطبية لأن الانسياق وراء الخرافة التي تصل إلى معالجة مريض بالسرطان أو الوباء الكبدي، وبتحدّ يعجز العلم الحديث عن تصديقه، يؤكد أن بعضنا يعيش الوهم على اليقين، ومخاطر هذا التفكير إجلال وترسيخ للخرافة، وفصل بين معجزات الخالق ومعجزات الأفراد الذين لا يتمتعون بأي تميز عن غيرهم إلا التلاعب بالعقول.