للنقد أشكاله وأنواعه، ورغم هذا التنوع إلا أن النقد الصادق يخضع لضوابط متعارف عليها أهمها أن يكون نابعا من شمولية الرؤية وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية واختيار أسلوب الطرح المناسب والابتعاد عن الاتهامات والتخوين والتحريض، فالنقد وتشخيص المشكلات بموضوعية وتقديم الحلول هو المطلوب والمحبب للنفوس شريطة أن يكون نابعا من حب الخير للغير بعيدا عن الشخصنة وتصفية الحسابات أو محاولة الظهور بشخصية “السوبرمان” أو الرجل المنقذ البطل والمحامي والمدافع عن مصالح الناس وعلى أجهزة الدولة في مثل هذه الحالة الإصغاء لمثل هذه النداءات المترعة بالعقلانية والإخلاص والحرص على الصالح العام ومحاولة تعديل المسارات المائلة قدر الإمكان وتحقيق الحد المعقول من الرضا وتوضيح الالتباسات والقضايا الشائكة. للأسف هناك من حاد عن المسار المثالي للنقد واستغل المنبر لخلط الأمور وإثارة الزوابع فقد أبصرت ودققت فيما طرحه فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان فوجدته قد خلط الأمور وأثار بلبلة غير مرغوبة لا يفرح بها إلا الأعداء ومزج بين قضايا دينية وعقدية واجتماعية ومواقف شخصية تعرض لها في مسيرته العملية ورمى بقضية التغريب وعلاقته الشخصية بولي الأمر وما أصابها من فتور وهي مسألة شخصية لا علاقة للناس بها ورغم ذلك أسهب فيها بامتعاض وأسف على أيام خلت. أغلب القضايا التي طرحها عموميات واتهامات تحتاج لأدلة، وفيها إبهام وغموض يثير الغبار ويرفع وتيرة الاحتقان، وفي مقالة سابقة لي انتقدت الملا نمر النمر أحد مشايخ القطيف وقلت حينها إن الخطورة فيما يطرحه أنه ينطلق من أحد أماكن العبادة واستخدامه لمنبر المسجد لا للنصيحة وإنما للتحريض على الدولة، وإطلاقه القذائف صوب كل ناحية دون وعي بعواقب الأمور، ودون أن يقدم لنا أدلة واضحة وإنما رؤى شخصية بحتة وتصفيات وقذف خدمة لأجندات داخلية وخارجية ولم يكن فيما يطرح عرض لمطالب ملحة، أو اقتراح لحل مشكلات معيشية أو حياتية مزمنة. الخطورة هنا الخلط الصارخ بين النصيحة والتحريض، فالنصيحة حين تخرج من السر إلى العلن تتحول إلى لون من التوبيخ المفضي للتحريض، ومنهج الإسلام في مبدأ النصيحة واضح قال الرسول صلى الله عليه وسلم “الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله وكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”، والنصيحة لأئمة المسلمين وهم في الحديث ولاة الأمر بالدعاء لهم والسمع والطاعة لهم بالمعروف والتعاون معهم على الخير وترك الشر وعدم الخروج عليهم أو منازعتهم إلا أن يوجد كفرا بواحا وندبهم لفعل الخير، وكان منهج النبي صلي الله عليه وسلم إنه إذا أراد أن يصحح أمراً أو ينصح أحداً يقول “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا”، وكان الإمام الشافعي في مجلس علم يعلم الناس فاعترضه رجل بكلام غليظ يتتبع فيه الهفوات فقال له الشافعي معلما: تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في جماعة فإن النصح بين الناس لون من التوبيخ لا أرضى سماعه علماء الدين مثل الشيخ العبيكان وغيره هم أعرف الناس بمنهج الإسلام ودورهم يتوقف عند تقديم النصح إبراء لذممهم دون الولوغ في مهاترات لا يستفيد منها الوطن بل إنها فرص سانحة للأعداء للتشفي والاصطياد في الماء العكر. لا ننكر وجود أخطاء ومشكلات وقصور ليس في بلادنا فقط وإنما في كل الدول ومعالجتها تحتاج إلى وقت وصبر.