مفهوم العدل الإلهي أن يدير الإنسان أموره، وأمور من يُكلف بأمرهم بقانون: لا ميل عن الحق، ولا استثناء، ولا ظلم، ولا مُجاملة، ولا تبديل، ولا تحويل. وفي مُحكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). ولا شك أن الدول تقاس بمتانة قوانينها، وبقدرة أجهزتها الأمنية والعدلية على تطبيقها على المواطن والمقيم بذات العين الرحيمة. ومما نستغربه على أكثر الوافدين من الجنسيات المختلفة أنهم يقرؤون قانون بلدنا ويتعمقون في خباياه احتياطا، ولكننا كمواطنين نُهمل ذلك، ونعتمد على ما نسمعه من هنا وهناك. وباستعراض نظام الإجراءات الجزائية السعودي، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 39 بتاريخ 28/ 7/ 1422ه، نجد به ما يبهج من نقاط عقلانية إنسانية، وعدالة اجتماعية عظيمة، ومن شروط وواجبات وتنظيمات، لا تحتاج من الجهات التنفيذية، إلا التأكيد على تطبيقها حرفيا، وتوضيح خفاياها لمن يقومون بالتنفيذ، من كبار وصغار الرتب. كما يحتاج منا كمواطنين إلى استيعابه، لمعرفة حقوقنا، وواجباتنا. ويحتاج من الجهات الإعلامية إلى توضيحه، للعامة. وباستعراض انتقائي لأهم ما ورد فيه من نقاط مضيئة، نجد في المادة الثانية: (لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه، أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة المحددة من السلطة المختصة. ويحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً، أو معنوياً، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المهينة للكرامة). وهنا يقع مربط الفرس، فالمواطن الذي لا يعرف تلك الحقائق، وقد لا يدرك ما هي (الأحوال المنصوص عليها نظاماً)، عندما يتم القبض عليه، فلا يطلُب ممن قبض عليه أن يبين له تهمته، وأن يقرأ عليه حقوقه، حتى يتكلم أو يصمت. كمواطنين نحتاج إلى وعي، ونحتاج من الجهات التعليمية تبسيط ذلك وتوضيحه للناشئة، حتى تكون أجيالهم أكثر حظا منا بمعرفة ذلك. وهذا ما سيجعل عمليات القبض على المتهمين وإحضارهم تتم بطرق أكثر انضباطا، دون تجنٍّ، أو عنف، لاحتمالية براءتهم، ومما يزيح أي صور للعداء الشخصي بين القابض، والمقبوض عليه. وفي المادة الثالثة: (لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً أو نظاماً وبعد ثبوت إدانته بناءً على حكم نهائي بعد محاكمة تُجرى وفقاً للوجه الشرعي). وهنا يكون القانون جليا، فالمتهم يظل بريئاً بكامل كرامته، وإنسانيته، حتى يتم الحكم عليه من قبل المحكمة. ومعظم من يستوقفُون يكونون من صغار السن، وممن لم يسبق لهم الوقوف بمثل هذه المواقف، وهذا يستدعي أن يكون القائمون على أماكن التوقيف، ممن يخافون الله، وممن لا يتعاملون مع المتهمين، حسب أشكالهم، أو طوائفهم، أو شبهتهم، وأن يكون الفيصل في كل ذلك لمحاكمة تُجرى وفقاً للقانون. وتقول المادة الرابعة: (يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة). وهنا تبرز أسس روح العدالة في النظام، فليس كل الناس سواء في معرفة القانون، وخباياه، وقد يتلفظ جاهل بكلمة، تزيد من عقوبته، وقد تنحرف بمجرى التحقيق. وتقول المادة السابعة: (يجب أن يحضر جلسات النظر في القضية وجلسة إصدار الحكم العدد اللازم نظاماً من القضاة، وإذا لم يتوافر العدد اللازم فيندب من يكمل نصاب النظر).فمن قمة العدل أن لا يكون من يحكم هو قاضٍ واحد، خصوصا فيما قد يتسبب في جلد، أو سجن إنسان، واختلاف القضاة نعمة، فربما يؤدي لتخفيف الحكم، أو لشطبه كليا. وفي بعض محاكمنا، ولكثرة القضايا تدار بعض الجلسات بقاضٍ واحد، وهذا مخالف لروح القانون، فنحن نعرف أن القاضي إنسان يصيب ويخطئ، وأن ثلاثة آراء أفضل بكثير من رأي واحد. وفي المادة الثامنة: (على أعضاء المحكمة أن يتداولوا الرأي «سراً» ويناقشوا الحكم قبل إصداره، وأن يبدي كل منهم رأيه في ذلك. وتصدر الأحكام بالإجماع أو الأغلبية. وعلى المخالف أن يوضح مخالفته وأسبابها في ضبط القضية، وعلى الأكثرية أن توضح وجهة نظرها في الرد على مخالفة المخالف في سجل الضبط. ولا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة، الذين استمعوا إلى المرافعة). ما أجمل هذا القانون، والأجمل أن يتم استيعابه وتطبيقه كما نص عليه المرسوم، وأن يتم معاقبة كل من يخرج عن روح القانون من جميع الأطراف.