في ظل تمدد موجة المثقفين الفارغين على سطح مشهدنا الثقافي، وبروز من لا يعرفون من الثقافة سوى اسمها فقط، واعتبارها الجسر السالك المؤدي بهم إلى الشهرة وتحقيق المصالح، أقول برغم هذا كله يأتي نموذج الناقد والمفكر الدكتور عبدالله الغذامي ليجعلنا أكثر أملا في واقع ثقافي أكثر مصداقية وشفافية. واختياري الدكتور عبدالله الغذامي نموذجاً ايجابياً لمشهدنا الثقافي ليس تطبيلاً أو تلميعاً، فمثله لا أظنه بحاجة إلى التطبيل لا مني ولا من الآخرين، فمواقفه ومنجزه كفيلان بتقديمه إلى الناس على الوجه الذي يليق، بعد أن رسّخ في ذاكرتنا وذاكرة الثقافة العربية مكانته وأهميته، وبالتالي فما افترضه فيه من ايجابية إنما ترفدها حقائق ويدعمها واقع. هذه المقدمة سوف أعززها بالتعريف المصطلح عليه للمثقف عامة، وهو ذلك الملتزم بموقف في الحياة، الحامل لمشعل التنوير، والمدافع عنه بضراوه، وهو في أبسط حالاته الساعي إلى إحداث تغيير ايجابي يؤخذ بمجتمعه إلى ما هو أفضل وأجمل وأرقى، فهل التزم جميع مثقفينا بهذا المفهوم؟ وهل مارسوه ممارسة حية وواقعية؟ ثم ما موقف نموذجنا الغذامي من هذا كله؟ هو هكذا المثقف المهموم بالتنوير وهذه مسؤوليته، فالذي فعله الغذامي في موقفه من انتخابات الأندية الأدبية لم يكن طلباً لشهرة أو نجومية وإنما صناعة لمستقبل أجيال قادمة، وإيماناً بدور ثقافي مداره تحديث مجتمعه والتأسيس لحالة ثقافية عامة مدادها الوعي. الحقيقة تقول أن الدكتور عبدالله الغذامي التزم بتحقيق هذا المفهوم لشخصية المثقف، حتى صار في وجهة نظري أحد النماذج الهامة التي تمثلها، وأدلتي على ما أذهب إليه كثيرة، ولكنني سأكتفي بشاهدين رئيسيين، أولهما التزامه بالعودة إلى منابر الأندية الأدبية بعد إعلانه مقاطعتها لفترة ليست بالبسيطة، وانقطاعه عنها وعودته إليها موقف أخلاقي لمثقف حقيقي رفض أن يكون التعيين سبيلا لتشكيل مجالس إدارات أنديتنا الأدبية، وها هو يلتزم بعودته إليها بمجرد أن تحقق ما كان ينادي به، وهو أن تعترف وزارة الثقافة والإعلام بآلية الانتخاب وتطبقها واقعاً، فكانت قبل أيام عودة مشهودة عبر منبر نادي جدة الأدبي بمحاضرة بعنوان (التحولات الثقافية: ثقافة ما بعد العولمة). موقف كهذا لا يجب أن نتهاون في أثره وأهميته في تشكيل مشهدنا الثقافي أو تبديل واقعه، لاسيما إذا ما جاء من رجل بمكانة الغذامي وقوة فاعليته، وهذا الموقف يماثله في الأهمية مواقفه الصريحة التي أعلنها بكل شفافية حول قضيتي الحداثة والليبرالية في المملكة العربية السعودية، وتجلى ذلك في عرضه حكاية الحداثة السعودية في أحد كتبه، ثم تبيان موقفه من الليبرالية واللليبراليين السعوديين، وهذه المواقف كلها لا أظنها خرفا أو هذيانا أو جنونا حين تأتي من مفكر عمّق تدبره في فحص أنساقنا الثقافية وتغلغل في اختبارها، ومن الطبيعي أن يخرج من ذلك بنتائج نحترمها في الحالتين: اتفقنا معها أو اختلفنا فيها. هو هكذا المثقف المهموم بالتنوير وهذه مسؤوليته، فالذي فعله الغذامي في موقفه من انتخابات الأندية الأدبية لم يكن طلباً لشهرة أو نجومية وإنما صناعة لمستقبل أجيال قادمة، وإيماناً بدور ثقافي مداره تحديث مجتمعه والتأسيس لحالة ثقافية عامة مدادها الوعي، فقد لا يستفيد الغذامي وهو في هذا السن من آلية الانتخابات، بيد أنه يعي أهمية اسهامه في تكريسها سمة في مؤسساتنا الاجتماعية عامة والثقافية خاصة، وهو ما سبق أن أشرت إليه في هذه الصفحة عينها في مقال تحت عنوان (النخب السعودية والانتخابات).