أكد الدكتور عبدالله الغذامي أنه لم يسجل في جمعية نادي الرياض الأدبي العمومية، وأنه لم يفكر في ذلك قط، مشدداً على أنه سيبقى في خانة المثقف الحر المستقل، الذي لا يتمأسس تحت أي عنوان. وقال في حوار مع «الحياة» إنه يجب ألا نغلط مرة أخرى فننسب لمجلس الإدارة سلطة مطلقة ليست له. ولفت إلى أن صاحب هذه السلطة العليا في الأندية الأدبية هي الجمعية العمومية التي عليها أن تنشط لهذه المهمة العليا، فإن أهملتها ونامت إلى أن يحين موعد الانتخابات الأخرى، فإنها ستعيد الأندية إلى سابق عهدها. وتوعد المثقفين بأنهم سيكونون هدفاً لنقده بدلاً من وزارة الثقافة والاعلام، موضحاً أنه وجْهته اليوم هي الجمعية العمومية وقدرتها على النضالية من أجل الضمير الثقافي، ومن أجل تأسيس ما سماه «الإرادة الثقافية»... إلى تفاصيل الحوار: دكتور عبدالله بالتأكيد إن ما يحصل اليوم من انتخابات ومن وسجال ولغط حولها يهمك، فأنت الذي دعا إلى الانتخابات وقاطعت الأندية الأدبية والوزير أمين مدني وكذلك وكيل الوزارة آنذاك الدكتور عبدالعزيز السبيل، بسبب عدم الإقدام على الانتخابات... نسألك أولاً ما تفسيرك لعزوف المثقفين الواسع عن الترشح للجمعية العمومية، وهل قمت بتسجيل اسمك في جمعية نادي الرياض الأدبي العمومية؟ - لم أسجل في جمعية نادي الرياض ولم أفكر في ذلك قط، ولقد قلت إننا نحن معاشر عواجيز الثقافة يحسن بنا أن نترك المرحلة لأهلها فشباب وشابات الثقافة هم من يعرف لغة المرحلة وهواجسها ويمثل تطلعاتها، هم جيل ثقافة الصورة وعصر الشباب وهو زمن الشعبي وليس زمن النخبوي، وأنا حينما قاتلت من أجل الانتخابات فإنني أفعل ذلك استجابة لشروط الضمير الثقافي وشروط تطلعاتي لمستقبل الأجيال في بلدي وحقها في تمثيل نفسها والتعبير عن مرحلتها، وهذا مبدأ جوهري في قراءة المتغير وفهم مقتضياته. وسأظل أنا في خانة المثقف الحر المستقل الذي لا يتمأسس تحت أي عنوان مهما كان هذا العنوان، وهذا يعطيني مجالاً للرؤية المتوازنة بعيداً عن ضواغط الرغبات أو التخوفات. في ضوء ما تشهده الانتخابات هل تعتقد أنه حتى المثقفين، يحتاجون إلى تثقيف بالعملية الانتخابية، والتمرن على قبول الآخر، خصوصاً أنك كنت توقعت أن يتكتل المثقفون ويزوّرون في الانتخابات لمصلحتهم؟ - يجب أن نعرف أولاً أن موقف الإنسان من أخيه الإنسان هو عقدة نسقية قديمة قدم الأزل نفسه وهي أبدية كأبدية الزمن، ولن يختلف فيها باراك أوباما ونيكولا ساركوزي عن معمر القذافي إلا بنوعية اللغة ونوعية التصرف، أما الجوهر النسقي فواحد، ولقد خطب أوباما قبل أشهر عدة خطبة عصماء لو أزحنا اسمه عنها لتمكنا من وضع أي اسم مكانه وربما تناسب اسم هتلر مع صدام حسين في حظوتهما بشيء منها. إذاً علينا ألا نضع رهاننا على الحصان الخطأ وعلينا أن نعرف أن الانتخابات التي في الأندية اليوم هي ما يكشف المخبوء ويرينا عياناً بياناً حقيقة البشر، وأوضح قولي بالتالي: في الثقافة البيروقراطية يتبدى الناس ملائكة وهم في داخلهم شياطين لأن البيروقراطية تقوم على الكتمان والمداراة وتمرير الحالة بألفاظ معماة لا تعني ولا تكشف، ولذا تمضي الأخطاء والخطايا غير مرصودة ولا أحد يحاسب أحداً، وهذا هو طبعها، أما الثقافة الديموقراطية فهي كاشفة وفاضحة، وأهم ما فيها هو في قدرتها على كشف الأخطاء وكشف بشرية البشر، بما فيهم من شيطنة ودهاء وحيل في السلوك، وليتنا نتذكر فقط لغة الانتخابات في أميركا، إذ يسعى كل مرشح إلى فضح منافسه والتشهير به بأقذع وأفظع ما يكون، من أجل صرف الناس عنه عبر شيطنة الخصم، مقابل ملائكية الذات. ونحن هنا في معمعة الأندية نشهد صورة مصغرة لهذه الحفلة الثقافية عبر تمييز الذات في مقابل تخطِئة الآخرين، وليس في ذلك ما يريب ولا ما يزعج بما أنه معنى مصاحب لفعل المنافسة البشرية كشأن المنافسات الرياضية والمالية والحربية ومثلها التنافس الانتخابي، وسنسمع الكثير من ذلك وهو كله أمر مخبوء ومغفول عنه في الأصل، ثم كشفته لعبة التنافس المكشوف ولعبة الإعلام المتربص لصناعة الأخبار والعناوين، فلا تثريب على مثقفينا لأنهم يؤكدون لنا بشريتهم وفيها بعض ملائكية وبعض شيطنة ويظهر كل طرف من الصورتين، بحسب دواعي المقام والمقال، وكلنا ذاك الإنسان، ولقد شهدتم أنتم في صحيفتكم شيئاً من ملائكيتي وشيئاً من شيطنتي، ولست أخجل من أي منهما، ولذا لا أستغرب على غيري أن يكون بشراً مثلي أو أنا مثله. فلتكن الانتخابات، وأول ما فيها هي أنها تكشف عن بشرية البشر، على نقيض البيروقراطية التي تظهر الشياطين في صورة ملائكة فيستشري فينا الزيف والفساد من دون أن نتمكن من التداول حوله فكيف بمحاسبته. بعض بنود اللائحة الخاصة بالأندية الأدبية والمتعلقة بالانتخابات، بدا أنها كانت السبب في دخول شرائح من المجتمع، لا علاقة لها بالثقافة والأدب، في حين الأندية الأدبية يفترض أن يكون المنتمون لها مهمومين بذلك، كيف ترى الأندية وآلية اشتغالها في ظل وجود مثل هؤلاء، خصوصاً أن بعضهم كان قد ترشح للمجلس البلدي، والآن أصبح رئيساً لنادي؟ - والله أنا لست وصياً على عباد الله، وإذا جاء من يرغب في عضوية النادي فهذا حقه، والحساب ليس على مسمى الشخص وصفته، وإنما هو على عمله، ويجب ألا نغلط مرة أخرى فننسب لمجلس الإدارة سلطة مطلقة ليست له، لأن صاحب هذه السلطة العليا في النادي هي الجمعية العمومية وعلى الجمعية أن تنشط لهذه المهمة العليا، فإن أهملتها ونامت إلى أن يحين موعد الانتخابات الأخرى بعد أربع سنوات، فإنها ستعيد الأندية إلى سابق عهدها لكي يكون الرئيس هو المعيزل المبيزل والوزارة هي صاحب الخط الهاتفي الساخن الذي يحمر العين تارة ويخضرها أخرى ويمنح التذاكر في الدرجة الأولى تارة ويركن في الدرج تارة أخرى. إني أقول للمثقفين والمثقفات، لقد صار بيدكم مفتاح المغارة فلا تفرطوا به، وهذه الجمعيات يجب أن تمارس دورها في النادي وترقب مساره وتدير بوصلته من وجهة الوزارة إلى وجهة الجمعية، من قصر البيروقراطية إلى حديقة الثقافة وحرية الإرادة، هذا دور الجمعيات، فإن تخلت عنه فإن ملاماتي القادمة ستكون لهم وليس لوزارة جاءها من هجائياتي ما يكفيها في عهدها السالف، أما الآن فأنا لا شأن لي بتلك الوزارة لا بخير ولا بشر، ووجهتي هي فقط للجمعية العمومية وقدرتها على النضالية من أجل الضمير الثقافي ومن أجل تأسيس ما سميته «الإرادة الثقافية». لو قلت إننا لا بد أن نسلم بقانون الانتخابات، ستكون النتيجة خروج المثقفين خارج الأندية، لأن هؤلاء ليست لهم شعبية، ومن النادي أن تجد أديباً أو مثقفا له شعبية، بحيث لو خاض انتخابات سيفوز بمقعد الرئيس، في هذه الحالة ما الحل؟ - الحل هو في تصحيح التصور ذاته، لأن النضالية الثقافية لا يصنعها الكرسي الذي نجلس عليه، لأن الكرسي بيروقراطي بالضرورة، وهو لا يفعل ولا ينتج قرارات حرة وإبداعية وتجاوزية ويسير وفق المرسوم والمخطط وحسب طلبات الهاتف الساخن، يجب أن نقول إن هذا عهد مضى وعلينا أن نرحله من هواجسنا تماماً، ثم علينا أن نفكر في تاريخ البشرية لنعرف أن من صنعوا التاريخ ليسوا أهل المكاتب وإنما أهل المتاعب وعرق الجبين، ولقد جاءنا أبو مدين في جدة منتخبا من الناس في حينها، ولم يكن حداثياً ولا يعرف الحداثة، ومع ذلك صار ناديه قلعة للفكر الحداثي وللانفتاح المعرفي. لأنه لم يكن يرأس النادي وإنما كان يفتح النادي، ولم يكن يأمر وينهى وإنما كان يسأل ويستشير، ولم يكن يستقبل هواتف ساخنة، وإنما كان يتعرض لرطوبة جدة وحرارة شمسها لكي يستقبل عبدالوهاب البياتي ولم يقبل أن يرسل له سكرتيراً في المطار، هذا نوع يجعلني أقول إن العبرة ليست ببطاقة التعريف اللماعة وإنما بالعقلية الثقافية التي تعمل وليست التي تحتكر المنبر لها ولمن يشابهها في الرأي، ولقد حضر من الإسلاميين عندنا في جدة مثلما حضر من الحداثيين، حتى لقد حاضر المفكر الإسلامي محمد قطب وهاجم الحداثة من على منبرنا ولم يكن بيني وبينه سوى سنتيمترات، ولم أقاطعه ولم أمنعه، لقد قال رأيه كاملاً في منبر مفتوح لكل راغب. وكم بذلنا من جهد لاستضافة علي الطنطاوي ومحمد بن عثيمين - رحمهما الله - ولم نفلح، ولم نكن نفعل ذلك إلا تمثلاً لنظرية أن المنبر حق للجميع، حتى خصومنا الشخصيين، ولهذا مجال آخر للتفصيل، وأسوقه لأقول إنني هنا أشير كجواب على سؤالك إلى أن العبرة بالعمل من قوم يريدون العمل، ولا يضمن هذا إلا المراقبة التامة من الجمعية العمومية، وتفعيل دور هذه الجمعية لتأكيد مرجعيتها بدلاً من مرجعية الوزارة. انتقاد الانتخابات بشكل قاسٍ دفع الدكتور ناصر الحجيلان للرد والتبرير. وكيف ترى تعامل وكالة الثقافة مع الانتخابات ومفاجآتها من حين إلى آخر، مع أنها أبدت مرونة وصححت عديداً من أخطاء اللائحة؟ - لست معنياً أبداً بالوزارة وأحاذر أن أقع في هذا الخطأ الفادح بأن أحيل إلى الوزارة، ولقد مر بي عهد كنت أرفض عبارة «وزارة الثقافة» وأقول «وزارة الإعلام» ولا أرى بأساً من تكرار الموقف، وأحب حقيقة أن أبتعد عن هذه المضاربات اللفظية وألتفت للجوهري وحينها سأشدد في التحذير من جعل الوزارة هي المرجع لا بخير ولا بشر، ويجب ألا نفرح بخيرها وعطفها وكرمها لأن من تكرم وشكرناه فإننا نعطيه الحق في أن يبخل، من حيث إننا جعلناه مصدراً للعطاء وسيكون مصدراً للمنع. قلت وأقول لقد حصل تغير جذري في تركيبة الأندية الأدبية، ألا وهو قيام جمعيات عمومية، وعلى الجمعيات أن تأخذ دورها، وتمارس حقها حسب اللائحة، وكل تعديل أو تطوير يجب أن يتحرك منها، ولو تركنا باب التعديل للسيدة الوزارة فإنها لن تقف عند حد، وستظل تمنح نفسها حق التصرف بلا حساب، ونصيحتي أخيراً هي: لا تفرحوا بعطاياهم فمن أعطاك سيسلبك إذا اقتضت رؤيته ذلك. ناضلوا من أجل الضمير الثقافي، وأسسوا لزمن «الإرادة الثقافية»، وإلا سأقاطعكم، من دون أن أندم. وداعاً للاستجداء ... وطوابير الرحلات الخارجية