محمد الرطيان - المدينة السعودية يقول الخبر الذي نشرته صحيفة " الرياض " قبل يومين: ( اعتبرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد " الواسطة غير الحميدة " التي تتفشى في المجتمع نوعاً من أنواع الفساد بما تحمله من أضرار اجتماعية نتيجة جهل البعض بمخاطرها ) . انتهى الخبر ، و .. ضع - عزيزي القارئ - تحت ( غير الحميدة ) ألف خط ، وبعدها عشرة آلاف علامة تعجب ! هذه " الخصوصية السعودية " رعاها الله : فمثلما هناك زواج طبيعي – يتم أمام الله وخلقه – هناك أيضاً زواج مسيار ومسفار ووناسة وسياحي ! ومثلما هناك اختلاط مُحرم ، هناك اختلاط جائز ، واختلاط عابر ... ! وعلى نفس السياق : الواسطة غير الحميدة تعني أن هناك ( واسطة حميدة ) يجب قبولها والتعامل معها بشكل طبيعي ! هذه إحدى ملامح " الخصوصية السعودية " : تبتكر لك عبر اللغة كلمات جديدة لتمرير ما يُراد تمريره !..وأحيانا يتم تغيير معنى بعض المصطلحات لتتناسب مع حاجات البعض :كتسمية( الواسطة الحميدة )ب ( الشفاعة ). " أجل واسطة حميدة " !! يعني كيف ؟! الجهة المعنية في البلد بمحاربة الفساد تبتكر من الفعل الفاسد فعلاً غير فاسد ؟! .. بل وتقوم بتلميعه ، ووصفه بالحميد ! ما هي أهم ملامح هذه ( الواسطة الحميدة ) ؟ هل عندما أتدخل لمساعدة أحدهم لكي يحصل لوالدته المريضة على سرير في مستشفى ، يعتبر هذا الأمر واسطة حميدة ؟ .. ولكن هذا الأمر – بالمنطق والعقل والقانون – يعني أن المستشفى ، والعاملين به : فاسدون .. ويستحقون العقاب . ثم أن ( واسطتي الحميدة ) لعلها أخذت السرير من أم أحدهم مرضها أشد من مرض أم صاحبي ، وحاجتها إليه أكبر . ولماذا لا تحصل الاثنتان على سرير لكل منهما دون حاجة لواسطتي الحميدة ، وهذا هو حقهما الطبيعي الذي لا يحتاج إلى واسطة .. أو استجداء من أي أحد . الواسطة الحميدة جعلت قطاعاً معيّناً – ولفترة من الزمن – لا يعمل فيه سوى أبناء منطقة واحدة ! الواسطة الحميدة حرمت أحدهم من وظيفة بحجة نقص طوله 2 سم ومنحتها لآخر أقصر منه ! الواسطة الحميدة قامت بتعيين فرد واحد ، وآلاف من خريجي التخصصات الطبية ، وخريجي كليات التقنية ينتظرون نظرة من " حميدة " ! الواسطة الحميدة تغض الطرف عن شهادة مزورة ، وتمنح الأرض لاسم غريب يرافقه أسماء أعيان وتجار المدينة ، وتنسى الضعفاء والبسطاء فيهم . الواسطة الحميدة تصنع " الشبك " الذي يحوّط المساحات الكبيرة ، وتمنح الكرسي لأنصاف الموهوبين ، وتنقلك لعالم الأثرياء ب " شخطة " قلم ! الواسطة الحميدة إذا أتت من كبار المسؤولين استطاعت أن تتجاوز كل القوانين والأنظمة بطرفة عين ! الفساد لا يتجزأ ، والواسطة – بخبيثها وحميدها – يجب أن تُحارب ويُقضى عليها ، وتستأصل كما تستأصل الأورام . أخاف أننا غداً سنقسم الفساد قسمين : فساد حميد ، وفساد غير حميد ! .. ولاحظ اللغة ، نسميه بلطف ( غير حميد) حتى لا نجرح إحساسه بوصفه ب ( الخبيث ) !! الفساد : فساد ، لا اسم آخر له ولا يمكن تلطفيه باسم آخر ، ولا تلوينه بألوان مختلفة ، ومحاربته يجب أن تتم في كافة الجهات وضد كل الأسماء .. ليس فقط ضد جهات ضعيفة لا ظهر لها .. ولا بطن منتفخ ! ما عدا هذا فإن هيئة مكافحة الفساد سيتراكم أمامها كثير من قضايا الفساد!