هناك من يمارس الفساد عن سابق إصرار وتصميم. وهناك من يمارسه بحسن نية، أو على الأقل نتيجة جهل بماهية الفساد. من هنا يمكن اعتبار مبادرات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في نشر الوعي بماهية الفساد خطوة في الطريق الصحيح، للترقي بمجتمعنا حتى يحقق الشفافية المنشودة. ولكن من الضروري أن تراعي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهي تأخذ هذا الطريق، أن مصطلحاتها وتعريفاتها ينبغي أن تكون موزونة بميزان دقيق، بحيث لا يمكن اتخاذها شاهدا على مشروعية هذه الممارسة أو تلك. حتى من يصوغ الخطاب الإعلامي في الهيئة، عليه أن يتخلص من قوالب المجاملة التي تفضي إلى تقديم مصطلح هلامي، يفسره كل من يشاء وفق ما يشاء. الأمثلة على هذا الخطاب الملتبس عديدة، ومنها مثلا حديث هيئة مكافحة الفساد عن السيطرة على (الواسطة غير الحميدة) التي تحدث عنها تقرير في "الاقتصادية" أمس. الحقيقة أن الواسطة سواء كانت للحصول على حق أو باطل هي في مجملها مظهر فاسد، فصاحب الحق يفترض ألا يتوسل بالواسطة للحصول على حقه، وبالتالي تنتفي الصفة الحميدة عن أي واسطة. رسالة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ينبغي أن تركز على محاربة الواسطة، وأن تضغط على الجهات الحكومية لإيجاد حلول لمن لا يتمكنون من الحصول على حقوقهم إلا عن طريق الواسطة.