وضع تصريح رئيس هيئة مكافحة الفساد محمد الشريف علامات استفهام كبرى أمام الرأي العام، بعدما وعد بملاحقة وكبح "الواسطة غير الحميدة"، طارحًا فكرة جديدة، وهي أن "للواسطة وجهًا حميدًا". وضع التصنيف رئيس الهيئة في موقف قوي أمام الرأي العام، الذي يشكو ألوانًا عديدة من الفساد في المملكة، لعل من أبرزها قضايا قتل الكفاءات الناتجة من "الواسطة"، أو ما يسمّى المحسوبية و"الشفاعة" إسلاميًا. الكاتب الدكتور علي الخشيبان انتقد خلال حديثه ووفقا ل"إيلاف" الواسطة بأنواعها، حيث أوضح أنه ضد استخدام مسميات "واسطة حميدة أو غير حميدة"، معتبرًا أنها بشتى أنواعها فساد اجتماعي في المدلول التنظيمي والقيمي، ولا يمكن أن نطلق كلمة "واسطة حميدة" على عملية تسهيل الإجراءات لشخص أو مجموعة أشخاص يستحقونها. ويضيف الخشيبان: أعتقد أن رئيس هيئة الفساد عندما تحدث عن "الواسطة الحميدة"، كان يقصد تلك المجرّدة من كل الظنون السلبية حول فعاليتها، ومثل هذه الواسطة حقيقية يصعب إيجادها، خاصة في زمننا الحالي، حيث التزاحم كبير على مقومات حياتية كثيرة، مضيفًا أنه "لا يمكن أن نحصل عليها بدون واسطة، والدليل على ذلك أن خدمات عديدة مستحقة للجميع أصبحت هي أيضًا تخضع للواسطة". ويشير الخشيبان أيضًا إلى أن أزمة "الواسطة" في مجتمعاتنا تكمن في قدرتها على تجاوز الأنظمة من دون إعاقة، لأن ممارستها تعتمد كثيرًا على ظاهرة موازية لها، وهي عدم تحديد المسؤوليات والصلاحيات وعدم المحاسبة لمصادر الواسطة. "الواسطة" بمفهومها البسيط عند الخشيبان هي "عملية تجاوز، إما للأنظمة أو تجاوز للقيم الأخلاقية"، فإذا كانت "الواسطة" لشخص بعينه، وليس في مقابله منافسين، فهي من النوع الأول الخاص بتجاوز الأنظمة. أما إذا كان هناك منافسون على تلك الواسطة وتدخّل المسؤول بتفضيل أحدهم وفقًا للواسطة، فإن ذلك تجاوز للقيم الأخلاقية. ويرى أن المفهوم الأصعب للواسطة في مجتمعاتنا هو "كونها ظاهرة تنشأ بشكل تلقائي بدوافع مجتمعية، قبل أن تكون دوافع تنظيمية". ويرى أن الواسطة تكبر في المجتمعات التي تكون فيها سلطة القيم والعادات والتقاليد أكبر من سلطة الأنظمة والقوانين، كما إن ضعف تحديد المسؤوليات والمحاسبة من أهم مبشّرات انتشار الواسطة. يذكر أن محمد الشريف رئيس مكافحة الفساد، قام خلال زيارته الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الكلية، رئيس المحكمة العليا في مكتبه في الرياض، ببحث الأضرار التي تسببها ظاهرة "الواسطة غير الحميدة" المنتشرة في المجتمع، وتم خلال الزيارة أيضًا بحث أوجه التعاون بين المحكمة العليا والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تقديرًا من الهيئة للدور الذي يقوم به العلماء في تقوية الوازع الديني والأخلاقي لدى أفراد المجتمع، وحثهم على الالتزام بالنصوص الشرعية، والتقيد بالأنظمة التي تسنّها الدولة، وتحذيرهم من مغبة الفساد، وما وعد الله به المفسدين من عقاب في الدنيا والآخرة. وبحث الشريف مع الشيخ الكلية، الأساليب المثلى لتوعية الناس عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتطرق الحديث أيضًا إلى ما أنجزته الهيئة من بناء الأنظمة واللوائح، سواء ما يتعلق منها بالهيئة، كياناً أو تنظيماً، ومصادر توفير كوادر الهيئة البشرية، سواء أكان من الجهات الحكومية، التي تتشابه في أعمالها مع الهيئة، أو المتخرجين من ذوي التخصصات المتميزة التي تحتاجها الهيئة. وقد أثنى الشيخ الكليَّة على جهود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأكد على أهمية دورها، وأهمية تعاون الجميع، وخاصة العلماء، من خلال المنابر والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى، على توعية الناس وتذكيرهم بأمور دينهم، وتحذيرهم من الوقوع في الفساد.