"قلتله أنت من وين قالي من حدود السما قلتله جاي من وين قالي من بيت الجيران قلتله خايف من مين قالي من القفص هربان".. ملهم مارسيل خليفة وهو يشدو لنا عن هذا العصفور مذكرا إياهم بعصفور "تويتر" الذي حرض الناس أن تغرد.. تغرد كل صباح ومساء، وهذا ما يبهجهم في "تويتر" الذي أتاح للبشر أن يمارسوا دور الطيور في تحليقها في الوقت الذي لا يملكون فيه أجنحة ليحلقوا، وفر لهم هذا "التويتر" مكانا لتطير فيه الأفكار والأخبار، وأصبح ملايين البشر يغردون دون توقف تماما، ومثلما تغرد وتحلق كل الطيور في الفضاء يحلقون في فضاء مختلف. فهناك في هذا الفضاء يغرد الجميع بصوت واحد على اختلاف خلقتهم، فمنهم الصقور ومنهم الغربان ومنهم الحمائم ومنهم العصافير الصغيرة.. كل يصدح بما يروق له وإن لم يكن بالضرورة أن يسمعه أحد فحسبه أنه غرد ومضى. إنه لأمر رائع أن يشارك البشر عبر الإنترنت في التغريد بما يفكرون به، وبما يحلمون به، هناك عصافير من البشر تغرد في كل ثانية بما لا يزيد على 140 حرفا سيكونون موعودين الآن بأن تختطف تغريداتهم في حجب يقال إنه يمارس نوعا من الشفافية، ولست أجد رابطا منطقيا بين المعنيين: الحجب والشفافية! شعار هذه الشفافية أن العصفور الذي بات رمزا للحرية وللكلمة التي تحلق في فضاء افتراضي يجب أن يكف عن التغريد الذي لا يمثل إلا نفسه، هذا هو عصفورنا الصغير على الشباك، هناك من يمتد إليه ليأخذ من ريشه الأزرق السماوي وينتفه ريشة ريشة.. والخوف أن يزج به في قفص ذهبي فيصبح الناس يغنون على أطلال حرية لم يتمكنوا منها بما يكفي بعد التوجه إلى فرض الرقابة على "تويتات" "المتوترين" في هذا التويتر الأزرق المضمخ بالحماس والتأهب، بحيث يتجه موقع "تويتر" إلى خيار رقابي جديد يتيح منع مشاهدة تعليقات بعينها مثل التعليقات العنصرية، مستشهدا بما يحمل "تويتر" من تعليقات ضد النازيين الجدد.. ولا نعلم هنا ماذا يعني الموقع بالنازيين الجدد بشكل دقيق.. في الوقت الذي لا يعلم البعض ما معنى "نازي" وهو ما عبر عنه المراقبون بأنه رقابة فاضحة، فيما يتمسك المغردون بضرورة أن يظل "تويتر" عالما حرا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. ولربما نتيجة للطبيعة الفورية للتويتر والتي تربط من خلالها وسائل الإعلام الاجتماعية الأفكار التي تُبثّ ذاتياً، وعدم التزامها بمواقيت زمنية محددة في ما يتعلق بالنشر وبثّ الأخبار يفسِّر جزئياً السر وراء التوجه إلى اختطاف بعض التغريدات ومحوها من فضاء التغريد الافتراضي. وهو الذي يجعل مساهمات الشبكات الاجتماعية تبدو للرقيب معقدة ومتناقضة، لأنها تمثل حياة الآخرين بكل مستويات ثقافتهم ووعيهم، لكن تظل هناك مسافة كبيرة بين الشفافية والحجب.