في كل الأحوال التي يواجهها المجتمع، يبدو السؤال الصارخ عن مظهرية الثقافة والوعي وتأثيرها. هذا الأمر يتوارى عندما يتم استحضار الكلام عن الثقافة، باعتبارها مجرد معرفة. أدوات الثقافة بمختلف أشكالها التقليدية والجديدة متاحة للجميع، وهي تزيد معرفة الناس بفعل إرادي ولا إرادي. لكن عملية هضم هذه المعرفة وتحويلها إلى فعل تبدو أقل. كلنا نملك الوعي والقابلية لخوض التفاصيل التي تتعلق بالسلوك المتحضر، لكن قلة هي التي تخرج من مظهرية المعرفة إلى عمق الفعل. ولهذا تبدو الحالة الثقافية عند الكثيرين شبيهة بالتشبع الناتج من (الجانك فود) أو الهمبرجر الذي يملأ البطن لكن دسامة محتواه لا تعني أنه قد حقق الفائدة الغذائية المطلوبة للجسم. وكذلك عملية تغذية العقل. هناك ثقافة يمكن أن نطلق عليها الثقافة الشعاراتية، تجد الإنسان يشغل الكون كله بالحديث الإنساني الجميل، لكنك عندما ترصد ممارساته تجده يقترف أفعالا تتضاد مع منطوق كلامه. هذا الفصام بين ما تعرف وما تفعل، يجعل المرء يسقط في مأزق التجمل. ورغم أن له إيقاعا ساحرا على الصعيد الاجتماعي، لكنه يفضي إلى نتائج عكسية. فتحويل الإنسان ذاته إلى سلعة للتسويق من خلال اختيار الغلاف المناسب للمحيط المناسب، يجعل الآخر يتفحص هذه السلعة ويقارنها بالواقع اللصيق. بإمكانك - مثلا - كمثقف أن تدين كل الممارسات المرورية الخاطئة في الشارع، ولكنك إذا لم تبادر في اتباع قواعد السلامة سوف تتأرجح بين حمل أسفار الوعي والمعرفة، وبين تحويل هذا الوعي إلى فعل وممارسة. المجتمعات لا تحتاج إلى موسوعات تردد الأشعار والكلمات وتتباهى بقراءة الروايات. صحيح أن هذا فعل حضاري. لكنه يتسق مع سلوك ونسق عام. لا يمكنك أن تتخيل مثقفا يتناقض مع ما يدعو إليه، ومع ذلك كثيرون يقولون ما لا يفعلون. والخلل أن من يقول ولا يفعل، يلوم الآخر لأنه لا يفعل.