بندر بن عبد العزيز الضبعان - الاقتصادية السعودية تغمد الله فقيدنا عبد الكريم الجهيمان بواسع رحمته. فهذه القامة الأدبية والصحافية الذي غاب عنا كان قد نشر مقالا قبل 54 عاما بعنوان ""طيراننا.. مواعيده.. معاملته"" (صحيفة القصيم - العدد 18). كانت ""السعودية"" آنذاك فتية (15 عاما)، وقد بلغت الآن من العمر عتيا (65 عاما) ولم تتحسن أحوالها. كأن المقال قد كتب في عامنا الجاري الذي لم يبق فيه كاتب سعودي إلا وسلّ قلمه منتقدا ""خدمة العملاء"" لدى الخطوط المتباهية بشعار ""نعتز بخدمتكم"" .. بدءا من تقديم الوجبات الرديئة، إلى محاولة توظيف طيارين بنغاليين وعرقلة توظيف الطيارين السعوديين، إلى تأخير وإلغاء الرحلات، إلى فقدان وتلف الأمتعة، إلى التلاعب بالحجوزات، إلى سوء الصيانة إلى فظاظة التعامل مع المسافرين تصل حد الشتم والضرب! لكن، إذا كنت قائدا تدير مؤسسة بحجم الخطوط السعودية. تمتلك 128 طائرة ركاب. تنقل 18 مليون راكب سنويا. 55 في المائة منهم في الرحلات الداخلية والبقية في الرحلات الدولية. مؤسسة تهيمن على 55 في المائة من سوق السفر الإقليمي، و40 في المائة من سوق العمرة، و35 في المائة من سوق الحج. لديها 15 ألف موظف. تتمتع بدعم حكومي في الوقود وتحظى هذا العام بميزانية قدرها 20,9 مليار ريال من الدولة.. فماذا تريد أكثر من ذلك؟ ما الذي ينقصك أو يمنعك من التطوير؟ ألست أنت مهندس الخصخصة (المخصخصاتي) لقطاع الاتصالات السعودي؟! مع كل هذه الموارد الهائلة، تظل الصورة الذهنية عن ""السعودية"" دوما سلبية في أذهان العملاء ومنهم المسنون وذوو الاحتياجات الخاصة. إذن، من أين يبدأ القائد إصلاحاته؟ هل يبدأ من ""نفض"" الهيكل التنظيمي والموظفين (الموارد البشرية)؟ أم من تحسين خدمة العملاء (التشغيل)؟ الحل في رأيي يبدأ من نسف ثقافة المؤسسة (السعودية) وإعادة بنائها من جديد. أبدأ من البشر: العملاء والموظفين. العملاء أخيرا، أقر مجلس الشورى بأغلبية كبيرة إلزام ""السعودية"" بحماية حقوق المسافرين حسب الأنظمة والاتفاقيات، ولا بد من الإشارة إلى أن قرار المجلس جاء محصلة لتوصية كان قد طرحها العضو أسامة بن علي بن ماجد قباني عند مناقشة التقريرين السنويين ل ""السعودية"" للعامين الماليين 2009 و2010. فالأستاذ قباني - الذي أتابع نشاطه مع مجموعة مميزة من الأعضاء - صاحب مبادرات وتوصيات غير مسبوقة في المجلس؛ إذ سبق أن طرح توصية بدمج وزارتي الخدمة المدنية والعمل، وقد أيدنا توصيته مدعمين ذلك بجملة من المزايا المترتبة على الدمج (""الاقتصادية"" العددين 6502 و6509). لقد طالب الأستاذ قباني في توصيته التي تحولت إلى قرار من قرارات المجلس: ""التأكيد على التزام مؤسسة الخطوط العربية السعودية بحماية حقوق المسافرين حسب الأنظمة والاتفاقيات المنظمة لذلك"". وهذا يعني أن ""السعودية"" سوف تلزم باحترام كون ""تذكرة السفر"" عقدا يترتب عليه واجبات وحقوق بين الطرفين (الراكب والناقل الجوي). فمن حقوق الراكب بموجب الأنظمة والاتفاقيات الدولية - كلائحة الطيران المدني ""حقوق المسافرين"" واتفاقية مونتريال واتفاقية أياتا - أن يحصل من الناقل الجوي على ""تعويضات"" في حالات معينة كالإصابة الشخصية، أو تأخير الرحلة أو إلغائها، أو تنزيل درجة المقعد ، أو تلف أو فقدان الأمتعة: فكم من مسافر على متن ""السعودية"" تعرض لتجربة سفر مزعجة وحصل منها على تعويضات؟ .. نحن لا نحصل على ""اعتذار مؤدب"" من تلك الخطوط ناهيك أصلا عن أن نحصل على تعويضات نقدية أو عينية منها جراء الأضرار التي لحقت بنا! لكن التزام ""السعودية"" الحقيقي بقرار مجلس الشورى سيؤدي إلى تحول جذري في مستوى خدمة العملاء لديها وهو الركن الأول لتغيير ثقافة المؤسسة وتغيير الصورة الذهنية السلبية التي ترسخت عنها في أذهان الناس، وبالتالي نشعر أنها ""تعتز بخدمتنا"" فعلا لا قولا يردده ""الأجهر"" وزملاؤه في العلاقات العامة! الموظفون لقد بدأ مشروع خصخصة ""الخطوط السعودية"" عام 2000م، على أمل تحويل هذا ""العملاق"" إلى ست شركات، كل شركة مختصة بمجال: الرحلات والتموين والشحن والصيانة والخدمات الأرضية وأكاديمية الطيران. ومن المتوقع أن تنتهي عمليات الخصخصة بحلول الربع الأول من عام 2013م. وإذا كان التاريخ ُيحسب لليابان أنها صاحبة ""أكبر"" عملية خصخصة (مؤسسة البريد الياباني مع 400 ألف موظف)، فإنه ُيحسب لنا - بكل فخر! - أننا أصحاب ""أطول"" عملية خصخصة في التاريخ! ولعل بطء خصخصة ""السعودية"" يعود إلى مقاومة بعض مسؤوليها للتغيير، وانشغالهم بالصراعات الشخصية بدلا من الإبداع والتطوير، ومحاولة تسوية وضع 25 ألف موظف. وقد كشفت شركة ""سانترا بلان"" الألمانية قبل سنوات عن حالة البطالة المقنعة لدى ""السعودية"" أي وجود فائض من الموظفين من دون عمل حقيقي (6500 موظف)، وأوصت الشركة في دراستها بالعدد اللازم للتشغيل. وتؤكد ظاهرة الفائض الإداري أن ""السعودية"" من أشهر المؤسسات الوطنية التي تمارس المحسوبية والمحاباة في توظيف وترقية وتدريب الأقارب والمقربين دون النظر لمعيار الكفاءة، وهي ممارسات تندرج ضمن الفساد الإداري. أما اليوم، فقد بلغ عدد موظفي السعودية نحو 15 ألفا بعد أن تقاعد البعض وغادر البعض الآخر حاملا الشيك الذهبي. ولهذا، فإن جزءا من الحلول المؤدية إلى إرساء الركن الثاني لبناء الثقافة الجديدة الاهتمام بالموظفين عن طريق إعادة الهيكلة وتفكيك الطبقية، وتطوير سياسات وإجراءات الموارد البشرية - وأبرزها التوظيف وتقييم الأداء والتعويضات - على أن يتاح للعملاء تقييم الموظفين، بل إننا ندعو إلى ""ربط"" ترقية الموظف بمدى رضا العملاء عنه (نقاط من العميل تحسب للموظف أو تحسم منه)، مطالبين بإعادة تأهيل الموظفين سلوكيا وفنيا مع التركيز على الجودة والسلامة وخدمة العملاء، وخلق بيئة عمل ""صحية"" تقوم على الجدارة والشفافية لا يرتع فيها المتقاعسون.