بندر بن عبد العزيز الضبعان - الاقتصادية السعودية لم أصب بالدهشة من كلامه.. كان ينظر إلى العمالة غير المدربة من حوله التي تشغل بقية الورش، موضحا أن قلة العمال الفلبينيين تعود إلى أن وكالات السيارات الشهيرة في السوق المحلية تستقطبهم، مبينا أن أبناء جلدته يعتبرون السعودية بمثابة محطة مؤقتة stepping stone للانطلاق إلى وجهات أخرى كالولايات المتحدة أو أوروبا أو جنوب إفريقيا، بعد أن مارسوا التدريب العملي على سيارات السعوديين وحصلوا على شهادات تدريب وخبرة! هكذا إذن ينظر لنا. العامل الماهر يعتبرنا ""محطة مؤقتة""، فيما العامل الرديء يعتبر بلدنا ""ورشة تدريب"" لا سيما إذا أدركنا أن 85 في المائة من العمالة الأجنبية لدينا عمالة أمية أو بالكاد تقرأ وتكتب. عمالة ""غير مدربة"" تملأ السوق وتفترش الأرصفة. فنحن باسم ""الأخوة""، نستقدم أردأ أنواع العمالة من بؤر الصراعات الإسلامية كافة، لنجعل بلدنا أكبر ورشة تدريب في العالم. نستقدم عمالا أميين جهلة. لا يقرؤون ولا يكتبون. لا يعرفون العربية ولا الإنجليزية. لا يمتلكون أدنى المهارات. لا يتبعون الآداب العامة ولا يراعون أنظمة المرور أو السلامة. يتحدثون بصوت عال. لا يحترمون الرجل ولا المرأة فينا. يبصقون على الأرض. يرمون المخلفات. يلوثون البيئة. وعندما تقف متسائلا عمن وظفهم، وعن كيفية توظيفهم؟ سيتطوع أحد أبنائنا الطيبين بالرد: ""خله يسترزق.. مسكين""! أما سفاراتنا خاصة المنتشرة في آسيا فإنها تلزمك بأن يكون نصف عمالك من المسلمين والنصف الآخر من غير المسلمين دون النظر لمعيار الكفاءة. حتى لو أدركت أن العامل المسلم لا يستوفي في حالات كثيرة شروط الوظيفة لا من حيث المؤهل الدراسي ولا من حيث الخبرة أو التدريب. وحتى لو أدركت أن رسوم تأشيرة استقدام العامل غير المؤهل (المسلم في حالات كثيرة) ليس عليها تخفيض أو عرض موسمي، بل إنك تدفع الرسوم ذاتها (2000 ريال) التي تدفعها عن تأشيرة العامل المؤهل (غير المسلم في حالات كثيرة)، أنت في النهاية مضطر إلى أن ""تستورد"" هذا الكائن البشري ليس لجدارته وإنما لأنه ""أخونا في الملة""! بالله عليك.. لو خيرت بين عامل فلبيني وعامل بنجالي أيهما تختار؟ دون تردد، ستختار العامل الفلبيني لأنه صار رمزا للعامل المدرب والماهر، بينما العامل البنجالي صار رمزا للعامل الرديء غير المؤهل الذي يفسد أكثر مما يصلح. فإذا قال لك العامل الفلبيني (غير المسلم) إنه يعرف أن يؤدي هذا العمل، فإنه بالتأكيد يعرف وغالبا ما يتقن العمل. على العكس تماما من بقية إخواننا في الملة الذين نأخذهم بالأحضان ونشرع لهم أبواب السوق. يأتي هؤلاء العمال من بلدانهم من دون تأهيل أو خبرة ومعظمهم خريجو سجون أو مصحات نفسية، يهيمون على وجوههم ويفترشون الأرصفة، يجربون شتى المهن (الكهرباء، السباكة، الميكانيكا، الطبخ... إلخ)، يتدربون علينا وعلى بيوتنا وسياراتنا وأجهزتنا. يدعون الصنعة والمعرفة، وهم لا يفقهون شيئا. وعليك أن تجازف لأنه سيجرب أن يصلح العلة، وينتهي به الأمر مطرودا من بيتك بعد أن أفسد أكثر مما أصلح. ونحن الضحايا نبكي على ممتلكاتنا وحقوقنا الضائعة، مواساتنا الوحيدة عبارة ""الله يعوض عليك"". وما علينا إلا أن نتحمل العامل الرديء وألا نشكوه، ليس لأن الجهات المختصة ""نائمة""، بل لأنه ""أخونا"" ولا يجوز أن نغضب إخواننا في الملة! لماذا يا ترى.. نتنازل عن شرط الكفاءة والجدارة، ونتحمل غباء وجهل وتخلف هذا العامل لاعتبارات ""أخوية""؟ لماذا ندفع الثمن ونجعل بلدنا ""منجرة"" لهم؟ ""الإمارات"" وتحديدا ""دبي""، قامت منذ نهضتها بتقنين استقدام العمالة واشتراط حدود دنيا لتوظيفهم وآليات للتحقق من صحة مؤهلاتهم تفاديا لمحاولات تزوير الشهادات. أما نحن فإننا نواصل استقبال المتردية والنطيحة باسم الدين. ولا توجد لدينا أية تحركات أو حملات لتنظيف البلد من تلك العمالة السائبة غير المؤهلة، فالجوازات تعبت من المداهمات. ومكاتب العمل مشغولة ب ""نطاقات"". أما البلديات، فيبدو أنها انهمكت بعد الإيراد من رسوم اللوحات الإعلانية وتأجير مواقع أجهزة الصراف! إن ما يهمنا في العامل هو كفاءته للعمل وليس معتقداته، فالكفاءة تضمن قدرته على الإتقان. ومن هنا تأتي أهم نظرية في الأداء الوظيفي وهي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ""إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"". عندما نعتمد على معيار ""الدين"" في التوظيف، يخرج معيار ""الكفاءة"" من الباب، ويتحول مكان العمل من مؤسسة تصنع المنتجات وتقدم الخدمات إلى تكية من تكايا الدراويش! ولن تجد أقبح من العمالة الرديئة إلا من يدافعون عنهم بذريعة ""خله يسترزق.. تراه ضعيّف"". طيب.. يا أخي لماذا ""لا يسترزق"" في بلده؟ لماذا ينغص علينا ويضايق أبناءنا ويضايق العمالة الأجنبية ""الماهرة""؟ ولماذا نتحمل رداءته وغباءه ومظهره المقرف؟ أم أن أصحاب ثقافة ""خله يسترزق"" مستفيدون من ""رزق"" هؤلاء العمال؟ .. ""خله يسترزق"" .. وفي النهاية، نكتشف أن ""أخونا في الملة"".. يدير وكرا ل (...) ومصنعا ل (...)! أمنيات أتمنى من وزارة العمل أن تضع ضوابط لاستقدام العمالة تعتمد على الجدارة والكفاءة وليس على معايير أخرى. كما أتمنى ألا نخجل من مطالبة العامل بإبراز رخصتي الإقامة والعمل قبل أن يدخل إلى منازلنا أو مكاتبنا للتحقق من شرعية الإقامة والعمل. وبودي أن يبادر شبابنا النشامى وليس الوزارة لإنشاء موقع إلكتروني يضم قوائم سوداء وبيضاء للعمالة الأجنبية مصنف حسب المهن (كهربائي، سباك، دهان) وحسب المناطق داخل السعودية، مع إيضاح صورة العامل واسمه وبيانات الإقامة والاتصال على أن يتاح لكل مواطن تعامل مع هذا العامل أن يقيّم عمله ويوثق تجربته كيلا يقع غيره ضحية عمل غير متقن أو نصب أو مماطلة. هذه مبادرة تجعلنا نتكاتف مع بعضنا بعضا، وصدقوني العامل الرديء لن يتمكن من ""الاسترزاق"" عندنا لأن اسمه في القائمة السوداء ومحاصر بمقاطعة شعبية!