بين عشية وضحاها، يأتي آلاف العمال الأجانب إلى المملكة، يحلمون بطيب العيش والإقامة، والعمل، فيما يحلم رجل الأعمال السعودي بطيب الثروة وتحقيق فائض ربح يضاعف له المشاريع المستقبلية التي تؤمن له ولأسرته الحياة الأفضل. وبين يوم وليلة يكتشف المواطن أن العامل المستقدم لا يعرف الجدار من الحائط، ولا يفقه في الخامات والمواد الأولية المستخدمة في الأعمال، حتى الأدوات لا يستطيع التعامل معها، ليجد نفسه أمام خيارين كلاهما مر، فإما إعادة هذا العامل إلى بلاده، وتجرع مرارة الانتظار لحين حضور بديل، ربما يكون أسوأ من سابقه، أو الصبر على الابتلاء، ودفع ضريبة الصبر على حساب سمعة شركته ومشاريعه، أملا في تعليم ذاك الوافد، مقابل المساومة أحيانا في تخفيض الراتب المتفق عليه، لكن في نهاية المطاف يتكبد المرارة الكبرى، إذ يهجره العامل مع أول عرض يأتيه من شركات أخرى بديلة. الجبيل الصناعية. محمد الزهراني كشف تقرير وزارة العمل الأخير للعام 2008، عن استقدام 1.2 مليون عامل، منهم 39.9 % عمالة منزلية مستقدمة للأفراد، و5.7 % عمالة مستقدمة للجهات الحكومية، و 4.08 % تأشيرة عمال موسمية. فيما بلغ معدل الزيادات مقارنة بعام 2007، 3 % لإجمالي الاستقدام، و 85 % زيادة في نقل الخدمات، و 56 % زيادة في تعديل المهن، و 21 % زيادة في رخص العمل. وأمام كل تلك الأرقام والمعدلات، فما الذي يجبرنا على ذلك؟ ويمنعنا من استقدام حاجاتنا وفق المؤهل والخبرات؟ وما الذي يمنع تدوير الخبرات في الداخل وفق آليات تضمن لنا استمرارية العمل من ناحية، وتغنينا عن استقدام محفوف بالمخاطر من ناحية أخرى. مأساة غير المدربين يتهم رجل الأعمال السعودي نايف الراجحي العمالة الأجنبية بأنها سبب المعاناة في تراجع جودة الأعمال، خاصة المهنية: «المعاناة موجودة بسبب هذه العمالة غير المدربة التي تستقدم لنا، على الرغم من أنها بعيدة كل البعد عن العمل المهني والتدريبي، وسجلنا العديد من الحالات، الأمر الذي يضطرنا إلى إعادة تأهيلهم وتدربيهم من جديد، ما يخسرنا مبالغ مالية». ويرى أن الحل في يد وزارة العمل: «هي الجهة المسؤولة عن الاستقدام، ويجب عن طريقها أن تحل كل الأمور، وأن تحذر بعض مكاتب الاستقدام من استقدام عمالة أجنبية غير مؤهلة، فالبلد لا يحتاج إلا إلى المدربين والمؤهلين، وكمستثمرين نحتاج إليهم كدرجة أولى». محل تجربة واعتبر عيضة الحسني، صاحب شركة مقاولات، نفسه من أكثر المتضررين من العمالة غير المدربة: «استقدمت عاملا من الفلبين على مهنة سباك، وفوجئت بعد وصوله السعودية بأنه لا يفقه في هذه المهنة شيئا، عندها تضررت ماديا بسببه في الوقت الذي كنت في أمس الحاجة إلى سباك مهني ليمارس العمل على وجه السرعة، لكنه لا يكتفي بجهله بل يُعرض العمل للتلف، الأمر الذي يضاعف الحرج مع الزبائن، وللأسف أغلب العمالة الأجنبية تأتي للتعليم والتدريب هنا، وكأننا محل تجربة وتعليم وتدريب لهم، وكان النظام السابق لا يسمح بإعادة العامل إلا بعد عامين، فيما سمح النظام الحالي بإعادته في اليوم الثاني عند انتهاء عمله مع عقد الكفيل، لكن هذا الأمر تسبب في خسائر كبيرة للمقاولين، وتضرر بعضهم منه، إذ أصبح هؤلاء العمال الأجانب في سوق من يدفع أكثر، الأمر الذي ضاعف أجور المهنيين، بل يعد النظام الحالي السبب في تحرر هؤلاء العمال، وبحثهم عمن يدفع لهم أكثر، إذن العملية تحتاج إلى مراجعة، فلا يعقل أن يأتي العامل بلا مهنة يتقنها، أو بشهادة فنية مزورة، ثم يضطر الكفيل إلى الصبر عليه لمدة عامين حتى يتقن مهنة معينة، وفي نهاية عقده بعد عامين يذهب لمن يدفع له أكثر، حيث أصبح الآن الطلب على كل من لديه الخبرة، فعدد الأعوام تحدد مقدار راتبه، وهذا يسبب الضرر للمقاول السعودي». ويعترف أن: «العامل السعودي لا نراه في بعض المهارات كالبناء مثلا، وبالتالي يصعب علينا استيعابهم في هذا المجال، فنضطر إلى الاستقدام، لكن المطلوب ألا يأتي العامل الأجنبي إلا بعد اجتيازه دورات في معاهد متخصصة في شتى المهارات تحتوي التطبيق العملي، كما يدربونهم على بعض مواد البناء لدينا في الخليج، وما نحتاج إليه هنا، فلا يعقل أن يدرس مثلا العمال هناك بعض المهارات التي لا نحتاج إليها هنا ولا تناسبنا، وبالتالي يفاجأ العامل هنا باختلاف العمل لدينا، وبموادنا الأولية، الأمر الذي يزيد من أخطائهم، ويضاعف الوقت المخصص لتعلمهم». مؤشر خطير وينظر عضو مجلس الشورى الدكتور صدقة فاضل لقضية العمال الأجانب في المملكة، على اعتبارها شائكة ومتعددة الأبعاد: «ينبغي أن تخضع لدراسات عديدة، ولا يمكن أن نتطرق لهذا الموضوع بشكل متسرع، لكنني أرى أن تسعة ملايين عامل أجنبي على الأراضي السعودية، بما يشكل ثلث مجموع السكان، مؤشر خطير، ويجب أن نعيد النظر إلى الموضوع، سواء أكانت هذه العمالة ماهرة أو غير ماهرة، ونسبة العمالة غير الماهرة في البلد أكبر بكثير من العمالة الماهرة، أي أن ثلثي مجموع العمال هم عمالة غير ماهرة وغير مدربة للعمل أساسا، وهذا يشكل عبئا كبيرا جدا على الحياة العامة، ويؤثر وبشكل كبير على البلد من حيث البنى التحتية مثلا، أو الطرق التي يستخدمونها أو المستشفيات أو الأسواق، فضلا عن استهلاك المياه والكهرباء وغيرها، وبالتالي فإني أعتقد أن الفائدة التي تعود من وجود هذه العمالة محدودة جدا وتفوق أي ميزة لوجودها أيا كانت». التوطين هو الحل ويعتقد أن الحل الأمثل في المضي قدما نحو توطين السعوديين في سوق العمل، وإغلاق باب العمل لغير السعوديين، إلا في حالتين، هما أن نستقدم العمالة الأجنبية ذات المهارات العالية، التي تحتاج إليها البلاد، مثل الأطباء الماهرين أو العلماء أو الخبراء في شتى المجالات، ولا تتوافر في البلد، والأخرى أن نستقدم هذه العمالة الأجنبية في بعض الأعمال التي لا يستطيع الشاب السعودي أن يعملها، لأسباب عامة أو اجتماعية، كالنظافة مثلا، وبالتالي يجب أن نفتح مجال سوق العمل لهؤلاء الشباب، وهذا حتما سيقضي على البطالة وينهيها». اختيار دقيق ويشرح «صاحب شركة» المهندس علي الشعير، الطريقة التي تتبعها شركته في انتقاء العمال الأجانب، واصفا إياها بالمثالية: «اختيار العامل الأجنبي لشركتنا يتم بدقة تامة، ومن أولويات الشركة هذا الاختيار، حيث يخضع لعناية فائقة، والشاب السعودي متى ما تدرب، وأتيحت له الفرصة والثقة الكاملة في المجال المهني والصناعي، فإنه حتما سينتج وسيقدم، وبدورنا استقطبنا هؤلاء الشباب السعوديين وأهلناهم بدورات لمدة سنتين، والآن نفخر بوجود هؤلاء الشباب المدربين والمؤهلين لخوض غمار الصناعة من خلال شركتنا، حتى نجزم أنه لا وجود لأي عامل غير مدرب في شركتنا، سواء سعودي أو أجنبي، وما نحتاج إليه من هؤلاء العمالة لا بد أن يخضع لعدة مراحل حتى نصل إلى ذلك العامل الأجنبي الذي يستطيع الإنتاج وبدقة جيدة وكفاءة عالية». كوادر وطنية ولا يعرف مدير معهد الجبيل التقني المهندس عبدالله الأحمري، السبب حتى الآن في عدم الإقبال على العامل السعودي في الكثير من الأعمال المهنية، خاصة أن المعاهد تخرج الأكفاء والمدربين القادرين على العمل بجدارة وإتقان: «الشباب السعودي لا يتخرج في معهدنا التقني إلا وهو متقن تماما لمهارات تخصصه بكل احترافية، وشبابنا لديهم الطموح والعزيمة والإصرار على دخول المجال الصناعي والمهني والتقني، ويستطيعون الإنتاج أفضل من هذه العمالة الأجنبية التي تستنزف الوطن وخيراته، ونحن نؤهلهم لسوق العمل، وما يتطلب منهم أثناء عملهم كما نوفر لهم الوظائف بعد التخرج ونسعى لهم في ذلك». ويعترف أن ما يتفوق به العامل الأجنبي على العامل السعودي مسألة طول مدة الدوام: «ظروف المجتمع، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها الشاب السعودي تمنعه من زيادة عدد ساعات دوامه، فيما العامل الأجنبي باستطاعته العمل من الصباح الباكر مثلا إلى نهاية اليوم، كما بمقدوره النوم في المحل نفسه، إذا تطلب الأمر ذلك، بعكس الشاب السعودي الذي لا يستطيع أن يتجاوز عدد ساعات عمله بذلك الحد الأعلى، لكن متى ما تضافرت الجهود واتحدت جميع الجهات المشتركة في الموضوع، وعملنا يدا بيد فسيأتي اليوم الذي نتنازل فيه عن العامل الأجنبي الذي يعمل أعواما طويلة هنا، ويستنزف خيرات هذا البلد، رغم حاجة بعض شبابنا إلى هذه الأعمال، وسيكون الشاب السعودي المؤهل والمدرب بديلا لهذه العمالة، وخاصة في تلك الأعمال وتلك الحرف التي تجد قبولا لدى وضعنا الاجتماعي». لا رد تواصلت «شمس» مع إدارة العلاقات العامة بوزارة العمل، لمعرفة رؤيتها حول استقدام العمالة غير المدربة، وتمت الاستجابة لرغبتهم في إرسال التساؤلات حول هذا الموضوع عن طريق الفاكس، إلا أننا لم نتلق أي إجابة من الوزارة حيال هذا الموضوع حتى الآن .