قبل يومين أصدر وزراء الخارجية العرب قرارا بتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، ودعوا إلى سحب السفراء العرب من دمشق، ووجهوا رسالة جافة للجيش السوري، ورجحوا احتمال فرض عقوبات سياسية واقتصادية إذا واصلت سورية دمويتها ولم تقدم حلولا مرضية تنسجم ومطالبات الخطة العربية، كانت الموافقة بالأغلبية وبتصويت 18 دولة على القرار بينها الدول الخليجية الست، مع وجود رفض وامتناع من آخرين كاليمن ولبنان والعراق، وملاسنات من ممثل سورية وجهت تحديدا للجامعة العربية والسعودية وقطر، ثم قامت أعمال شغب استهدفت سفارتي السعودية وقطر في دمشق، ويظهر من التصرف الأخير أن سورية تلقت ضربة موجعة غير متوقعة، فقد اعتادت الجامعة العربية على المجاملات وعلى الجلوس في مقاعد المتفرجين، ولم يعرف عنها طوال تاريخها اتخاذ مواقف حدية من هذا النوع، ويظهر أن الحالة الثورية في الدول العربية أحدثت بدورها ثورة في طريقة عمل الكيان الأكبر عربيا، أو أنه الملل من الوعود السورية المتأنقة دبلوماسيا، في مقابل تهديداتها لدول الجوار بلسانها أو بعصاها في لبنان وغيرها. هذه السنة الميلادية مسكونة بالمفاجآت والتحولات الكبيرة، فمن كان يتصور ليبيا بدون عميد الكوميديا السياسية في العالم العربي، أو من كان يتوقع انضمام فلسطين كعضو كامل الأهلية في اليونسكو، وبموافقة 107 دول ورفض 14 دولة فقط، في جرأة سياسية ضد التحفظ الأمريكي لم يكن أكثر المتفائلين يحلم بها، أو من كان يتخيل أن السعوديات يفضلن أفلام الرعب والأكشن والأعمال البوليسية والسعوديين يفضلون الأفلام الرومانسية والاجتماعية، وما قلت نشر في جريدة «اليوم» الشرقاوية يوم السبت، وجاء في المنشور أن السعوديين والسعوديات يسافرون إلى البحرين لزيارة دور السينما، وأنهم يصرفون مليار ريال سعودي خصيصا لهذا الغرض، ويشكلون خمسة وتسعين في المئة من جمهورها في الشقيقة الخليجية، ويظهر من الكلام السابق أن المرأة السعودية ليست مسالمة أو مستسلمة مثلما يعتقد، ويجوز إدخال تفضيلاتها في باب تسجيل الموقف ضد من يحاول تهميشها، أو توجيه الاتهامات الجاهزة لها، وكأنها كائن مختلف يحتاج إلى ربط ومراقبة وتحريك مدروس وبالريموت كنترول، ومن المفارقات المربكة أن الذكور هم الأكثر تعرضا للإيذاء والتحرش الجنسي وليس العكس، وهذه معلومة رسمية، ومأخوذة من إحصاءات الإدارة العامة للحماية الاجتماعية في السعودية، ومتاحة لمن يريد الاطلاع عليها وبالتفصيل. الموضوع السوري معقد، وأعتقد أن حل المعادلة السورية ليس سهلا أبدا، ولن يفرط شركاؤها السياسيون في استغلال كل فرصة ممكنة لصرف الأنظار عن تجاوزاتها، فخسارة شريك مطيع وخياراته محدودة تمثل بداية النهاية بالنسبة لهم، وفيها قطع لقناة وحيدة يستفيدون منها في تعزيز حضورهم العربي، ومن الأدلة رفض لبنان وامتناع العراق عن التصويت، وفي الدولتين امتداد معروف لمن يقف خلف سورية ويدعمها، ولا أدري لماذا يصر أهل السياسة في الداخل والخارج السوري على التلويح بشماعة التخوين والعمالة وإسرائيل، ويحرصون على تلوين خطاباتهم بالعنتريات والأيديولوجيا والشعارات منزوعة القيمة، ولا يضعون اعتبارا بأن الدول العربية وخصوصا القريبة من سورية أو المتورطة بحدود معها، ربما فكرت في مصالحها الوطنية الخاصة، وأنها ستتضرر بالتأكيد من استمرار المذابح والإعدامات والتوتر السياسي فيها، والمؤشرات تؤكد للأسف بأن حزب البعث السوري مازال واثقا في أسلوبه الأمني القديم، ولم ينسجم مع الواقع العربي الجديد، وأنه يعيش كابوسا يحاول التخلص منه بحزمة كوابيس يراها مقبولة، ولاشك بأن قرار الجامعة العربية قلب الطاولة وغير قواعد اللعبة وحشر السياسي السوري في زاوية ضيقة، والمباركات الدولية للقرار زادت من العزلة وفاقمت الأوضاع، وردود الأفعال المتشنجة أو المتهورة متوقعة وماركة مسجلة عرف بها النظام الحاكم في سورية، ومن الواجب الاستعداد لها قبل أن تبدأ. قلت بأن السنة الحالية مختلفة ولم أغير رأيي، فقد رحل صاحب الرقم القياسي في التقليعات السياسية والأفكار الغريبة، وسجل المثقف انتصارا نادرا على السياسي في اليونسكو، رغم العلاقة المفصلية بين الاثنين، ورحبت المنظمة بعضوية فلسطين كدولة، وهو قرار مهم ومفرح للعرب لن يهمله التاريخ، وبداية الألف ميل خطوة والقادم أجمل. أيضا تفضيل السعوديات للأكشن والرعب والسعوديين للرومانسيات، وإقبال الطرفين على السينما وصرفهم الملياري عليها، ومعاناة الذكور من التحرش، يكشف تحولا اجتماعيا يستحق المراجعة والتأمل، أو بأقل تقدير يقدم حقيقة لم تكن حاضرة أو منشورة، فأرقام التحرش كما وردت تؤكد بأن الأنثى السعودية ليست الحلقة الأضعف دائما، وأنها في مكان آخر انسجمت مع الأكشن والرعب المجتمعي، وصارت تطلبه في دور البحرين السينمائية، وهذا سيضع من يجتهد لتنميطها وقولبتها في مأزق، فالضحية أصحبت «مازوشتية» والجلاد صار مطلوبا لتحقيق أكبر قدر من الإمتاع الحسي، وانحياز السعودي للرومانسية، على ذمة «اليوم» قد يتطابق مع انشغالات الرجال العاطفية في السعودية والخليج، والإثبات موجود في الفضائيات وفي المشاهدات العالية بين المراهقين والرجال الصغار لبرامجها الدينية والشعرية، واقتصاديا هناك مليار ريال تخسرها السياحة الداخلية ولا بد من مبادرات توفيقية لاسترجاعها. باختصار الزمن تغير وأحوال الناس تبدلت وربيع العرب بدأ بالشوارع ولكنه لم يتوقف عندها.