كتبتُ في هذا المكان، أو من هذا المكان مرّتين، وربما ثلاث مرات، استعجلُ قوات التحالف في إنهاء الحرب في ليبيا، وإزاحة العقيد القذافي بسرعة.. وكتبتُ هنا أيضًا أحذّر من أن إزاحة القذافي لا تعني الإتيان بمعتصم القذافي، أو سيف، أو محمد، أو أيٍّ من أولاده. ومن هذا المكان أيضًا أسجّل اليوم غضبي على التمثيل بجثة العقيد، وقتل ابنه على النحو الذي جرى.. , والمثير أن الناتو نفسه انتقد التخلّص من العقيد بهذه الطريقة، وانضمت أطراف عديدة في الحلف للمطالبة بتحقيق عاجل في طريقة قتله! وكأنّ قصف الناتو كان لطيفًا، وقتل العقيد بهذه الطريقة جاء بغيضًا.. والأخيرة حق. لقد ظهرنا أمام العالم، بل أمام الناتو الذي جئنا به، أو جاء إلينا لتخليصنا من العقيد؛ وكأننا وحوش، أو إرهابيون على النحو الذي يحلو لكثيرين تصويرنا به!. ظهرنا، أو ظهر بعضنا، أو أحد من أبنائنا.. أبناء العرب؛ ممثلاً لمصاصي الدماء، ومتفاخرًا بقتل إنسان، والتمثيل بجثثه!. نعم.. وألف نعم.. كم قتل القذافي، واعتقل، وعذّب؟! وكم عذّبنا جميعًا تارة بخرافاته، وأخرى بانحرافاته، حتّى أنه تبرّأ منّا ذات يوم رابطًا يده، تحاشيًا للسلام بها علينا في أكثر من قمة عربية، حوّلها بفعل حركاته إلى نقمة عربية. نعم هو القذافي، الذي دعونا في مساجدنا للخلاص منه، وتحرير شعبه من طغيانه وجبروته.. لكن أبدًا ليس هذا منهجنا في القتل، وليس هكذا يكون شكل العرب، والليبيين أمام العالم. لقد نهى رسولنا العربي الكريم عن المثلة والتمثيل بالجثث؛ حتى في الحرب (اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا). وعن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإن قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته). لقد باتت الصورة الثابتة طوال الأيام الماضية لأخبار ليبيا في النشرات، ومواجيز الأنباء في فضائيات العالم هي مشهد القذافي مقتولاً، وجرّه كالذبيحة نحو السيارة.. فهل هذا هو مشهد ليبيا الحرة الآن؟!. إن تحقيقًا دوليًّا مهمًّا كانت نتائجه لن يصلح ما أفسده هذا الثائر «القاتل»، أو هذه اليد الحمقاء التي كادت تحرم ليبيا من الشرف الذي حظيت به تونس، وتحظى به مصر، رغم حملات التشويش المستمرة!. لقد ظهرت ليبيا أمام العالم أمس، وفي وجهها خدش، نتمنّى أن يزول!.