* لقد اشتمل القرآن الكريم على آيات عديدة تشدد على أهمية الرحمة كمقصد من مقاصد الشريعة الحنيفية التي أتى الدِّين الإسلامي خاتمة لها، وقرن تعاليم هذا الدّين الخاتم وواجباته وحدوده بهذه الخصلة الحميدة، فقال عز وجل: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). * ووصف الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الخصيصة التي هي من طبائع النفس السوية، بل إنها الفطرة التي جُبلت عليها النفس الإنسانية فقال عز وجل عن هذا المنحى الهام في الشرع الإسلامي الحنيف: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) بأبي أنت وأمي يا سيدي يا رسول الله. * ولو عاد الناس إلى تراث النبوة الخالدة، لوجدوا فيه فيضًا كبيرًا، ومنبعًا ثريًّا من هذه المعاني الإنسانية التي لم تسبقه فيها رسالة ربانية، أو دعوة بشرية، ففي حديث حسن صحيح رواه شداد بن الأوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته)، ومن رحمة الإسلام بالحيوان -وليس بالنفس البشرية فقط- ما ورد في الأثر الصحيح: (دخلت امرأة النار في هرّة حسبتها). * والعقوبات في الإسلام لم توضع لانتهاك النفس البشرية، أو إلحاق الأذى بها، بل هي إصلاح لهذه النفس، وتهذيب لها، وإعادة دمجها في المحيط الاجتماعي لتكون عنصرًا بشريًّا فعّالاً يعمر الأرض التي هي جزء من عبادة المولى عز وجل، هذا وسواه دار بخاطري وأنا أتابع ما جرى لأحد نزلاء الإصلاحية بمكة المكرمة، حيث ذكرت صحيفة “الوطن” السعودية “الاربعاء، 3 شعبان، ص41” أن النزيل حُكم عليه بالسجن 6 أشهر، والجلد 150 جلدة على مراحل، وكان المحكوم عليه يعاني -كما ذكر عضو جمعية حقوق الإنسان بمكة المكرمة الدكتور محمد السهلي- من أمراض: السكر، والضغط، واعتلال في وظائف الكلى والكبد، وأن الغلظة -كما زعمت والدته- تسببت في فقدان ابنها لبصره. وقد شاهد بعض المجتمعين لتنفيذ العقوبة تجمّعًا دمويًّا في جهة الجبين، وكان النزيل يصرخ (لا أرى)!! ويتساءل المرء: ألم يكن بالإمكان تأخير العقوبة، أو تخفيفها حتّى يشفى الرجل من مرضه؟ فإين الرحمة من ذلك كله؟!