حمد الماجد *نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية. الحديث عن الأحداث الحساسة ذات العلاقة بأي أقلية طائفية يكون أكثر فائدة إذا جاء متأخرا قليلا بعد أن تهدأ النفوس وتميل كفة العقل على العاطفة، وهذا بطبيعة الحال ينسحب على الشغب الدموي الذي جرت أحداثه في مدينة العوامية قرب القطيف، ذات الأغلبية الشيعية، كانت بالفعل شرارة تمكنت الحكومة من إطفائها قبل أن تعلق في الثوب السعودي، ولهذا كانت ردود الأغلبية الساحقة من الشعب السعودي ومن كل أطيافه الفكرية صارما وحاسما ضد هذا الشغب، وضد إيران التي حصلت على وكالة حصرية في إثارة القلاقل والفتن الطائفية في الدول الوادعة، ولم يسمح بأي «لكن» في هذا الشأن كما لم يسمح بهذه ال«لكن» مع فلول «القاعدة» الذين نظموا قبل عدة سنوات سلسلة تفجيرات إرهابية في السعودية، وبالتأكيد فلا يعني هذا الإجماع الشعبي في الوقوف مع الحكومة السعودية في تعاملها الحاسم مع الشغب رضا عن أدائها العام، كما لا يعني أيضا نفيا لأي حقوق مستحقة تطالب بها الأقلية الشيعية في السعودية. أهم درس مستفاد من تلك الحادثة التي «عدت على خير»، ضرورة أن يتخذ عقلاء الشيعة موقفا صارما من هذه الحادثة وما يماثلها، ومع تقديرنا لشخصيات شيعية كان موقفها الوطني صريحا وواضحا، فإن رموزا شيعية أقوى تأثيرا ونفوذا أبدت ترددا في التنديد بالحدث أو نددت بالحدث بصوت خافت، وطالبت بالحقوق بصوت عال، وهذا خلط لا يليق، لا وطنية ولا عقلا ولا مروءة، فحين يندلع حريق في مدرسة تسبب فيه طالب ظلمه أحد مدرسيه فالواجب على كل منسوبي المدرسة إطفاء الحريق وتجريم الطالب ومعاقبته قبل النظر في مظالمه ضد المعلم، لأن استرداد الحقوق لا يتأتى بهذه الطريقة الهمجية العنيفة، ولو طالب أحد الطلاب بتحقيق في مظلمة الطالب والنار تشتعل في المدرسة وقد تلتهم طلابها ومن فيها، لاتهمه الناس في عقله. والمؤسف، أن الحماسة في مناقشة شغب العوامية، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، أفرزت هي الأخرى أخطاء أخرى، أخطرها التعميم على كل كثير بخطأ بعض قليل، وعلاوة على ما في التعميم من حيف وظلم لا يجوز دينا ولا عقلا، فإنه أيضا يقلص مساحة الفئة المعتدلة ويدفعها نحو التطرف، وهذا الذي قلناه أثناء أحداث التفجيرات التي نفذها متطرفو «القاعدة»، حين فجر عدد من المثقفين قنابل من الاتهامات والتعميمات أشبه بالقنابل العنقودية فاتهموا المؤسسة الدينية والمناهج التعليمية وبعض العلماء والإسلاميين بكل ألوان طيفهم، ووصل رشق الاتهامات للسلفية والوهابية وكادت تصل للإسلام، وحين حدثت تفجيرات لندن، آلمنا تعميم تصريحات اليمين المتطرف التي تراوحت بين اتهام المؤسسات والمراكز الإسلامية وبين اتهام دين الإسلام، وسرتنا كثيرا تصريحات المسؤولين والمثقفين البريطانيين التي حصرت الإرهاب في فئة محدودة وبرأت بقية الأقلية الإسلامية. إذن، من عانى من الحيف في حكم غيره عليه، حقيق عليه أن لا يحيف في حكمه على غيره، ومن المؤسف أن توجد فئة ما برحت تؤمن بأن أي ملة أو نحلة في الدنيا فيها معتدلون ومتطرفون إلا الشيعة، ومثل هذه التخيلات غير الواقعية من شأنها أن تزيد الجفوة، ومن ثم اتساع الفجوة بين شرائح المجتمع السعودي، وإذا اتسعت الفجوة أصبح المناخ ملوثا وملائما لانتشار «الجرثومة الإيرانية» التي ثبت بعد الثورة السورية أنها تعمل مع النظام السوري على خلق بؤر فتنة في عدد من الدول المحورية في المنطقة، ومنها السعودية، كي تفك الأنشوطة التي لفها الشعب السوري الشجاع على عنق نظامه الدموي.