مشاري الذايدي - الشرق الأوسط اللندنية أكبر خطأ يمكن أن نقع فيه، ونحن نتحدث عن شغب بلدة العوامية، هو أن نحصر ما جرى في البعد الطائفي. القصة أكبر من ذلك وأعقد. ولمن لم يتابع ما جرى، فقبل أيام قامت مجموعة من سكان بلدة العوامية بالقرب من محافظة القطيف شرق السعودية، وهي منطقة سكان شيعة، بالاشتباك مع قوات الأمن السعودية، وفي حدث نادر، قام بعض العناصر برمي قنابل مولوتوف على مقر الشرطة وإطلاق النار، مما أسفر عن إصابة 11 رجل أمن و3 مواطنين، ورفع المهاجمون والهاتفون شعارات ثورية. الداخلية أصدرت بيانا أيضا نادر الخروج، تحدثت فيه عما جرى، وحذرت بأن الدولة لن تتهاون في ضبط الأمن وحفظ الاستقرار، وفي إشارة سعودية لافتة، تحدث البيان عن ارتباط المهاجمين بدولة خارجية، والمقصود إيران طبعا. مَن تعاطف مع مهاجمي العوامية أو حاول تفسير ما فعلوه، علل ذلك بوجود اعتقالات أو إيقافات أو تمييز طائفي ضد الشيعة. وانحرف النقاش بعدها عن موضعه الحقيقي إلى إثارة الملف الطائفي أو الملف الحقوقي. وهنا كما قلت في البداية نقع في الفخ الجدالي والنظري. السؤال: هل مواجهة من يطلق النار على مقر الأمن أو يلقي قنابل المولوتوف في الشوارع وعلى الناس تعتبر شكلا من أشكال الطائفية؟ هل قوات الأمن السعودية والدولة السعودية كلها تواجه هؤلاء لأنهم شيعة «تحديدا»؟! أم لأنهم رفعوا السلاح وأخلوا بالأمن. ألم تكن مواجهة قوات الأمن والدولة لمجاميع «القاعدة» طيلة العقد الماضي تقريبا مواجهة أشرس وأعنف وأعمق من مواجهة شبان العوامية الثائرين؟! أليس هناك معتقلون كثر في السعودية على ذمة قضايا «القاعدة» أو ما شابهها؟! علام إذن حصر ما جرى في البعد الطائفي؟! القصة لها علاقة بوضع إقليمي متوتر، إيران محشورة فيه بسبب تصدع نظام حليفها السوري، واعتقاد إيران ومعها حليفها بشار الأسد، أن دول الخليج، بالذات السعودية، هي التي تقود حملة ضد النظام السوري. ولذلك فلكل فعل رد فعل، في نظرهم، ومن ردود الفعل هذه إثارة الشيعة في الخليج، وفتح الملفات القديمة. إثارة ورقة الطائفية من قبل إيران ليست إلا سلوكا سياسيا انتهازيا. كثيرا ما نقرأ عن قدرات الردع الإيرانية في الخليج، ويصرح المسؤولون هناك عن سلة من الخيارات للضغط على المناوئين في الخليج، وقد طبقوا «بروفة» مصغرة في العراق للضغط على الكويت من خلال الأحزاب الموالية لها على خلفية قضية ميناء مبارك الكبير. هل يعي شبان العوامية هذه الأبعاد؟ أم هم منغمسون بتعاليم السيد «المدرسي» الثورية، كما انغمس قبلهم مقاتلو «القاعدة» في شعارات مشابهة؟ إنها مواجهة عارية بين إيران والسعودية، وعلى من يحرص على قضية المواطنة والتسامح الطائفي وتكريس الحقوق المدنية أن ينأى بهذه القضايا الآن، ويسحبها من سوق الجدل، لأن إقحامها الآن فيه إضرار بهذه القضايا الضميرية والقانونية والسياسية. كما أن فيه سذاجة سياسية واضحة. شبان الشغب العوامي، لحسن الحظ، قلة في المجتمع الشيعي، وهذا نابع من قلة اتباع الخط الشيرازي والمدرسي الثوري، لصالح التشيع العادي. لهذا يجب عدم التردد في القول إن ما جرى هو تحريك إيراني لملف قديم. أما كيف يعالج هذا الملف وغيره من الملفات الوطنية فهذا شأن سعودي اجتماعي ثقافي سياسي، نتقدم وفيه ونتأخر، مثل غيره من الملفات، وقد حدثت خطوات جيدة في اختراق ملف الطائفية في عهد الملك عبد الله، رصدها كل مراقب. لكن هذا شيء، ومواجهة «ألعاب» إيران في السعودية شيء آخر. لا مجال للعبث هنا أو التردد، كما كان الأمر مع تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه.