محمد الرطيان - المدينة السعودية (1) يحدث أن شابين يرتكبان نفس الخطأ ، وكل منهما يذهب إلى قاض مختلف .. الأول : يُحكم عليه بالخدمة الاجتماعية لفترة ما ، أو بتنظيف أحد المساجد لمدة محددة ، أو حفظ جزء من القرآن . الآخر : يُحكم عليه بالجلد ! لماذا لا يتحوّل القاضي الأول إلى نموذج سائد في قضائنا ؟ لماذا لا يتحول اجتهاده ورؤيته إلى نظام يعمم على الجميع ؟ (2) ما أعرفه أن حد الجلد لثلاثة : شارب الخمر ( إذا خرج ) إلى المجتمع وجاهر بمعصيته . والزاني ( إذا شهد عليه أربعة شهداء واتفقوا جميعهم في كل التفاصيل الدقيقة لجرم الزنا ) أو اعترف هو .. أو هي . والحالة الثالثة – التي تستوجب الجلد حداً – هي القذف ، وأن يكون علانية ، ويتوفر فيه الشهود المعدلون ، ويكون القذف فيما يمس شرف وأخلاق المقذوف . فلماذا تقتصر احكام التعزير غالبا على الجلد دون حزمة الاحكام البديلة ؟.. لماذا لا يفوت شهر إلا ونسمع بقضية انتهى حكمها بالجلد ؟.. بل – في الغالب – بالسجن والجلد معاً ، رغم أن جمهور العلماء من المذاهب الأربعة اختلفوا : أيهما « أنسب « للمدان ، وفي كلتا الحالتين كانوا يبحثون عن الحكم « المناسب « للمدان حسب وضعه الاجتماعي والاقتصادي ، وبما يحفظ له كرامته .فلماذا يُصربعض قضاتنا اليوم على جمع العقوبتين معاً في تهمة واحدة ؟! ألا تتفقون معي أن عقوبة « الجلد « فيها إذلال كبير للإنسان ، وكسر لنفسه وكرامته ، وأنه لو خيّر لاختار السجن بدلاً من الجلد ؟ الشريعة لم تأت لإهدار كرامة الناس وإذلالهم .. الشريعة أتت لتحفظ لهم كرامتهم ، وحقوقهم ، وتنصفهم فيما بينهم . ألم يحن الوقت لتفعيل مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء والذي رُصد له المليارات ليتفاعل مع مستجدات العصر وقضاياه الراهنة ؟ ولماذا كل فترة تخرج علينا احكام غرائبية تصبح قضية رأي عام ، وحديث الناس في الداخل ، وتسبب لنا الكثير من الإشكالات في الخارج ، وتتحول إلى موضوع تتندر عليه الصحافة العالمية ؟! (3) لقد رصدت مليارات لمشروع تطوير القضاء أعلن عنها قبل ثلاث سنوات ؟!.. فالى اين وصل هذا المشروع ؟