كنّا وما زلنا مبهورين بحضارة الغرب ، علومهم ومخترعاتهم. كان التواصل على مدى تاريخ العرب الطويل مع الغرب هو السبب في هذا التعلّق والإعجاب. مبكراً حضروا لمنطقتنا كمستعمرين فتطبعت الشعوب العربية ببعض طباعهم وتبنت ثقافاتهم. بعد نهاية حقبة الاستعمار بعثت الكثير من الدول العربية ببناتها وأبنائها للتعلم والدراسة في الغرب. كل هذا والشرق كان لغزاً في أذهاننا. بل إن التصور المُسبق عن صناعةِ دولة كاليابان على سبيل المثال أنها بضاعة رديئة هشة ..! واكتشفنا لاحقاً بأنها من أجود وأتقن الصناعات، وأنها تناسب جغرافيتنا وطقسنا. حتى بعد الانفتاح على جميع الثقافات والشعوب لا زال الخيط مربوطا بالغرب إلى يومنا هذا. لست ضد الغرب ولا حضارتهم بل إنني أُقدّر لهم مساعدتنا في اكتشاف كنوز أرضنا وأهمها النفط الذي منه نمتح الخير ونطوّر الصحراء. لكنني أتساءل وبصوت مرتفع : أيننا من الشرق سيّما نحن وهُم في قارة واحدة، وبيننا امتداد جغرافي وتاريخي وحتى اجتماعي. لنأخذ الحضارة الصينية ذلك الكنز من التراث الفلسفي العريض والحِكمة والمعرفة في فك رموز الكون ما يجعلها نموذجاً مُحفزاً للمجتمعات يمكن الأخذ به مع برمجته؛ بحيث يتناسب مع مفاهيمنا وقيمنا والمقبول من تراثنا. يكفي بالصين الفكر الطاوي الذي بواسطته يستمد الصينيون فضيلة التسامح وحسب كتاب المستطرف الصيني لمؤلفه هادي العلوي من منشورات دار المدى للثقافة والنشر انه لا يوجد ما يضارع التسامح الصيني في الحضارات الأخرى لآسيا ولا أوربا، وهي نزعة تتبلور هناك حيث لم يُعهد في تاريخ الفكر الصيني معايير تكفير ولا تبديع كتلك التي استعملتها أديان الهند وإيران وكذا الأديان الثلاثة المعروفة. كما يخلو القاموس الصيني حسب المؤلِف من مفردات أصيلة تدل على الإلحاد والزندقة والهرطقة. حسناً .... إذا كُنا كعرب ومسلمين متهمين بالغلظة وكراهية الآخر المختلف ونحن في واقعنا لسنا (جميعاً) كذلك ما الذي يمنع أن نتجّه شرقاً لتلك الشعوب التي تفهمنا ونفهمها حيث أبرز ميزة لديهم نحتاجها لنتعلمها منهم فضيلة التسامح؟ أعتقد بأنه تساؤل مشروع أليس كذلك ؟