يحظى القطاع الخاص وممثلوه من رجال الأعمال في بلادنا بتقدير واحترام كبيرين من الدولة ممثلة في القيادة والمسؤولين، في جميع الأجهزة الحكومية وتحرص الدولة على دعم مشاريع القطاع الخاص التنموية من خلال تقديم القروض والتسهيلات الأخرى ولا يوجد في النظام الاقتصادي السعودي نظام ضرائب على دخل رجال الأعمال ويتساوى الجميع في دفع الزكاة والرسوم الأخرى. ورغم هذه العلاقة المتميزة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص إلا أن القطاع الخاص وأنا منهم في وجهة نظري الشخصية مازال مقصراً تجاه المسؤولية الوطنية ويصعب التعميم فهناك بعض الأمثلة النادرة لا ينطبق عليهم فهم قدوة للآخرين. إن ما دفعني للكتابة اليوم هو موضوع العلاقة المتوترة بين التجار والإعلام التي ظهرت جلياً في منتدى جدة التجاري الذي أظهر حساسية بعض رجال الأعمال من الإعلام المقروء بصفة خاصة ومن جميع وسائل الإعلام الأخرى بما فيه المجلات والصحف الإلكترونية ويتهم بعض التجار الإعلام بأنه يضخم الأمور في بعض القضايا وعلى وجه الخصوص قضايا ارتفاع الأسعار للسلع والخدمات وبمتابعتي للمنتدى لاحظت أن الحوار الساخن كان بين كبار التجار وأعرقهم في المجال التجاري يدافعون بوجهة نظر متميزة أقدرها وأحترمها لأنها صادرة من تجار يحظون باحترام المجتمع مثل رجل الأعمال الإعلامي أخي المهندس حسين أبوداود أحد أشهر الصناعيين القدامى وشريك لشركة بروكتر أند قامبل الأميركية (Procter & Gamble) وأخي الأستاذ عبدالله بن زقر رئيس أحد أقدم الشركات التجارية الصناعية بجدة وشريك شركة يونيليفر البريطانية (Unilever Company) والأستاذة نشوى طاهر رئيس المنتدى التجاري وإحدى سيدات الأعمال المتميزات في الوسط التجاري والصناعي بجدة. ورغم علمي الأكيد بأنهم ليسوا هم المعنيين بالنقد الإعلامي لأنهم الأكثر حرصاً على الالتزام بالمبادئ والأسس التجارية وأن الحوار والنقد الإعلامي ليسا مقصورين عليهم. فهناك نصف مليون مؤسسة عاملة ويملكها سعوديون ويدير نصفها أجانب متسترون وهم أساس مشكلة ارتفاع الأسعار في وجهة نظري بالإضافة إلى قناعتي بأن ارتفاع العديد من الأسعار المستوردة من مصادرها وهناك ربط قوي جداً بين ارتفاع أسعار البترول والبنزين والغاز وبين ارتفاع تكاليف السلع المستوردة ورغم أن الدول المصدرة للبترول سعيدة بارتفاع أسعار البترول وسيدعم موقفها الاقتصادي ويساهم في استكمال مشاريع التنمية. إلا أن إيرادات البترول تذهب إلى الحكومات وتتحمل الشعوب تكلفة زيادة أسعارها بطريقة غير مباشرة عن طريق تحمل تكلفة زيادة أسعار السلع والخدمات. ورغم قناعتي بأن هناك ارتفاع أسعار للسلع والخدمات مبررا فإن هناك ارتفاع أسعار غير مبرر ولولا الشفافية والحرية المكتسبة بصحافتنا في السنوات الأخيرة لما تدخلت الدولة في معالجة بعض الممارسات الاستغلالية لبعض التجار. وأستغرب وأستعجب من حساسية التجار من الإعلام وأندهش كثيراً من حماس التجار في انتقاد المسؤولين في الدولة وهجومهم عليهم وتسخير بعض الأقلام لشن بعض الهجمات على بعض أجهزة الدولة. وعندما يواجهون بالنقد ينزعجون ويتحسسون ويعتقد البعض أن النقد موجه لشخصه وهو أمر لا يقبله الإعلام الصادق وإن أمانة الإعلام تفرض عليه تحسس معاناة المواطنين ومتابعتها ودراسة وتحليل الظواهر التي تضر المجتمع. وإن دفاع بعض التجار المحترمين عن نصف مليون تاجر آخر يرتكب بعضهم مخالفات وغشا تجاريا وتلاعبا في الأسعار واستغلال الظروف لرفع الأسعار بدون مبرر هو دفاع غير منطقي وغير مقبول ويتشابه ذلك مع انتقاد بعض الإعلاميين غير المبني على أسس معلوماتية دقيقة حيث يساهم بعض النقد لخسارة التجار الشرفاء ويلحق ضررا ببعض الأسماء المشرفة ولهذا فإنني أتمنى على رجال الأعمال التجار زملائي عدم التحسس من النقد الإعلامي وإذا كان لديهم القدرة على الرد والإجابة فهي فرصة يتيحها الإعلام للتجار لتوضيح الصورة وأعارض وبكل شدة أية جهود شخصية أو مالية تمارس على الصحافة لمنع بعض الكتاب أو الصحفيين من الكتابة في مواضيع معينة تتعلق بالتجار ويقال إن هناك بعض التجار المتنفذين يمارسون لغة التهديد على بعض الصحف بوقف الحملات الإعلانية إذا استمر نقد شركاتهم أو مشاريعهم ويقال إن هناك صحفيين أو مراسلين أو محققين صحفيين فصلوا أو نقلوا من مراكزهم وهناك كتاب قد أوقفوا عن الكتابة أو تمت ممارسة ضغوط عليهم لتقيد أسلوبهم في نقد بعض التجار أو رجال الأعمال وهي ممارسات غير أخلاقية ينبغي على رؤساء ومديري الصحف عدم الانصياع لهم حتى لو أوقفوا إعلاناتهم. رغم أن في هذا ضررا على الصحيفة إلا أن المبادئ والأسس الإعلامية ينبغي أن تحترم. إن الإعلام هو مرآة المجتمع وعلى الصحافة أن تقوم بدورها وواجبها وعلى أمانة الصحافة أن تحترم. ومن أراد أن ينتقد بلغة برلمانية دون تجريح ومدعوم بأرقام وإحصائيات دقيقة فنحن نرحب به ونبحث عنه. لقد عالجت الصحافة السعودية العديد من القضايا وتجاوبت الدولة مع الآراء والأفكار والانتقادات المبنية على أسس ولولا الصحافة لما تدخلت الدولة في معالجة قضية ارتفاع الدقيق والشعير والأسمنت والحديد وإنشاء شبكات الصرف الصحي وتوفير المياه الصالحة للشرب ومكافحة الفساد ومعالجة البطالة وتوفير الإسكان وغيرها من قضايا كانت الصحافة السعودية أثارتها وتجاوبت معها الدولة. فأهلا بالنقد البناء وعلى التجار مراجعة أوراقهم وسلوكهم في التعامل التجاري ولتكن أكثر شفافية.