محمد بن سليمان الأحيدب - عكاظ السعودية أثبتت الأحداث الأخيرة في تونس ثم مصر، أن بعض النظم العربية لا تتلقى معلومات دقيقة عن نبض الشارع ومعاناة الشعوب، ناهيك عن الأسلوب الصحيح للتعامل معها بما يحقق الأمن والاستقرار والتناغم بين السلطة والشعب، وليس أخطر من الاحتكام إلى أمثال عربية قديمة، ربما كانت تشكل انطباع ساعة أو يوم، لكنها بالتأكيد ليست (حكمة)، وليست عبارة حكيمة، ولا تمت للمنطق وطبيعة الأشياء بأدنى صلة، مثل قياس سلوكيات الإنسان بكل ما لديه من كرامة ومشاعر ومنعة وفكر بالكائن الذي لا يملك أيا من هذه العناصر، ولا يمكن قياس الإنسان عليه. أثبتت الأحداث الأخيرة أن المقارنة عكسية تماما، وأن الإنسان لصبره حدود تصل نقطة صفر، إذا وصل إليها فإنه يعود إلى وضع يصعب معه إعادة ضبطه أو إعادته للوضع الذي سبق، فتصبح مطالبه أبعد بكثير من تلك التي كان عليها قبل وصوله لنقطة الصفر، وهذا ما أثبته الشعب المصري الذي وصل الرقم القياسي في الصبر، والآن هو يضرب رقما قياسيا في المطالب التي لم تتوقف عند رحيل الرئيس وحل الحكومة والبرلمان وتجميد الأرصدة ومحاكمة الفاسدين. وبالمناسبة، يخطئ كثيرا من يعتقد أن ثورة 25 يناير في مصر وما تبعها الآن هي ثورة الشباب فقط، أو أن رمزها الحقيقي هو وائل غنيم ورفاقه من أتباع (جوجل) و(الفيسبوك)، فهذه نظرة سطحية قاصرة تقيس الأشياء بظاهرها، فترى وائل ورفاقه لأنهم فقط ضبطوا التوقيت والتنسيق بالوسيلة الإعلامية المتاحة (الإنترنت)، واعتمادا على أنهم اعتقلوا بضعة أيام، وتتجاهل من اعتقلوا منذ عقود وسجنوا عدة مرات وتعرضوا للتعذيب، وأولئك الذين تملكهم الغضب، وهم لا يملكون تقنية التوقيت وجمع الناس في ميدان التحرير في ساعة محددة عبر (الفيسبوك)، لكنهم حينما التقى الجمعان كانوا في المقدمة، ولذلك استشهد منهم من استشهد، وأصيب من أصيب، ووصل إلى الهدف بجسده من وصل، ووائل غنيم لم يكن من هؤلاء بالتأكيد، بل لم يملك العمق الكافي لإدراك النتائج ناهيك عن الطريق، وائل غنيم وافق عبر قناة العربية على قبول مجرد النقل المؤقت للسلطة إلى عمر سليمان، ثم عاد لينكر ذلك بعد أن صمد رؤوس حربة الثورة الحقيقيون أصحاب الصدور العارية الجريحة، وائل قال بالحرف الواحد وهو يبكي أو (يعيط) إننا لم نتوقع أن يحدث ما حدث، وإلا ما كنا فعلنا ما فعلناه، مشيرا إلى استشهاد 30 شخصا (30 فقط)، بينما يدرك المحاربون من أجل الدفاع عن الدين والعقيدة والوطن أن الثمن سيكون أكبر من هذا الرقم بكثير، وأنهم هم وربما أسرهم وأبناءهم وأبناء عمومتهم ضمن الدفعة المقدمة الأولى للثمن الباهظ. وائل غنيم كان مجرد ساعة توقيت تصدر جرسا وتهتز وتتوقف مع كبسة زر.