الجميل في الزميل المبدع محمد الرطيان أنه لا يشبه أحدا سوى محمد الرطيان . محمد الرطيان توليفة عجيبة من الكتابة الصحفية التي تتزاوج فيها لغة الأدب بروح الصحافة . والمدهش أن عملية التزاوج هذه تحدث غالبا تحت رعاية نفس تأملي يصل بالكتابة الصحفية إلى حدود الحكمة . الرطيان كاتب يتناول الشأن العام بلغة تجريدية لا تستدعي تسمية الأشياء بأسمائها . ومع ذلك فإن الرسالة دوما ما تصل إلى من يهمه الأمر دون لبس أو عناء . كتابات الرطيان عبارة عن لمعات مضيئة أشبه بالبرق الذي ينير مساحات عظيمة مظلمة في ثوان معدودات . ولأن البرق يعري ما هو مستور تحت جنح الظلام في ثوان قليلة ، فإن الرطيان لا يحتاج إلى الخوض في متاهات التفاصيل التي يكمن الشيطان فيها حسب الحكمة الإنجليزية الشهيرة . الجديد في أسلوب الرطيان هو التكثيف الشديد الذي تتميز به جملته التي تبدو وكأنها تقمصت روح الحكمة بامتياز ، رغم أنها تتناول الشأن العام . كل جملة من جمل الرطيان تحتوي على فكرة لا يستطيع أن يوصلها غيره في مقال من خمسمائة كلمة . وكل عبارة من عبارات الرطيان تجبرك على أن تتوقف أمامها متأملا الآفاق الفكرية البعيدة التي تفتحها أمام بصرك وبصيرتك . محمد الرطيان يبدو لي طفلا اتخذ قرارا بعدم الوصول إلى مرحلة البلوغ ، ولذلك تبدو مقالات الرطيان وكأنها جزء من لعبة ابتكرها الرجل ليلهو بها وليتيح للآخرين متعة اللهو التي حرموا منها منذ أن غادرتهم نظرة الطفولة ومنذ أن غادرت الطفولة عالمنا الذي تبدت عليه معالم الهرم . ورغم أن الرطيان ينكأ الجراح ويمارس الجلد بلا رحمة ، فإن عبارته الضاحكة لم تفقد يوما نقاءها الطفولي الذي يشي بشقاوة يعرف كل من احترف مهنة القراءة بين السطور ، أنها إحدى أعراض الذكاء المتوقد . والذكاء بطبيعته كائن فضائحي لا يعرف آداب التستر ولا ينظر باحترام إلى عورات الآخرين طالما أصر الآخرون على إدراج سلوكياتهم العامة ضمن خانة العورات . الرطيان ابتكر أسلوبا خاصا وغير مسبوق طوال تاريخ الصحافة العربية . وأعتقد أن هذا الأسلوب سيظل ماركة رطيانية مسجلة وعصية على التقليد، لا لشيء وإنما لأن أحدا لن يقدر على تقليده . الرطيان ظاهرة إبداعية وليس مجرد كاتب مبدع .